لقد لا يخفى على أحد النضال الكبير الذي خاضه التجمّع اليمني للإصلاح منذ تأسيسه في سبتمبر ١٩٩٠م من أجل بناء وترسيخ العملية الديمقراطية والتعددية السياسية وإسقاطها على أرض الواقع، حيث حشد كل المكونات من أجل المشاركة في العملية السياسية والتنافس السياسي، وذلك من أجل تشجيع الجميع وإعانتهم على المشاركة في رسم الخارطة السياسية للوطن، وقد سعى إلى ذلك منذ تأسيسه، مرورا بالأحداث التي قدم فيها الحزب العديد من التنازلات تقديرا وحبا للوطن والشعب.
تنوع فريد
مثّل الإصلاح تنوعا فريدا في الحياة السياسية والمساهمة الديمقراطية التشاركية، وعمل على نشر ثقافة الاعتراف بالآخر وأحقيته في المشاركة السياسية والثقافية والمجتمعية، وهذا ما جعل الشعب ينظر للإصلاح على أنه الحزب الذي يمثّل تطلعاته وطموحاته، فهو الحزب الذي جمع بين الهوية اليمنية والخلفية الإسلامية المعتدلة، وجمع كل المجالات في خط واحد، حيث رحّب بالطبيب والمهندس وشيخ العلم والأكاديمي، ليكن حزبا متنوعا يصعب تجازوه، وكل ذلك من أجل النهوض بالوطن، الأمر الذي جعل الإصلاح يؤمن بأن التنازلات من أجل الوطن ليست خسارة، بل رقي ونصر وفوز.
دور محوري
ولعب الإصلاح دورا محوريا مشهودا في ترسيخ مفاهيم الديمقراطية والتعددية السياسية وتوعية المجتمع بأهميتها وكان لاعبا رئيسيا في تحقيق الوحدة اليمنية وكذا تأسيس اللقاء المشترك المكون الذي شهد له سياسيون مرموقون في أنحاء البلدان العربية، كونه الأول من نوعه، حيث اجتمعت فيه أحزاب من مختلف التيارات المتصارعة والمختلفة فكريا وسياسيا، وأيضا في المشاركة في ثورة الشباب الشعبية السلمية، وصولا إلى دفاعه المستميت عن الجمهورية التي يحاول الإماميون إسقاطها والعودة بالشعب إلى عهد الإمامة الذي انتفض عليه الأجداد.
تحقيق الوحدة
في مايو ١٩٩٠م وأثناء التجهيز لتأسيس الإصلاح شارك قادة الحزب وبقوة في إنجاح تحقيق الوحدة بين شطري البلاد، وقد كانت الوحدة من أهم أهداف التجمع اليمني للإصلاح الذي سيخرج للعلن بعد شهرين بالتزامن مع إعلان التعددية السياسية في اليمن، وقد شهد الجميع للدور الذي حققه الحزب في إنجاح الوحدة وترسيخها وتوعية المجتمع بضرورتها، حيث كان يرى الإصلاح أن الوحدة ستحقق العديد من المكاسب والمنجزات التي ستعود بالفائدة على كل اليمنيين.
نظر الإصلاح إلى الوحدة بنظرة شاملة وكبيرة بحجم أهدافه وتطلعاته، وبالفعل فقد وقف اليمنيون أمام مكتسبات عملاقة بعد تحقيق الوحدة، واستمر ذلك إلى أن حاولت بعض التكتلات السياسية احتكار هذه المكتسبات لنفسها على حساب الشعب الذي كان قد وصل إلى أهم تطلعاته، تلكم المكتسبات العظيمة التي تحاول اليوم بعض الأيادي أن تهدمها تنفيذا لأطماع وأجندات مشبوهة، وها هو الحزب ما زال متمسكا بمبادئه ومواقفه التي أعلن عنها منذ التأسيس، وبالتالي فهو يتعرض لأقوى الضربات من الجميع، إلا أنها لم تزحزحه ولم تنجح في إجباره عن التخلي عن العهد الذي عاهد به الشعب الذي اختار الإصلاح ووثق به.
يؤمن الإصلاح أن الحفاظ على المكتسبات الوطنية وخيارات الشعب أمر واجب لا يمكن التنازل عنه، فالإصلاح يتنازل عن حقه كحزب، لكنه لا يتنازل أبدا عن حق الشعب وخياراته حتى وإن كلفه ذلك التضحيات، فالتضحيات ليست بجديدة على هذا الحزب الذي ولد وترعرع بين التضحيات، وما زال يقدم من أجل وطنه وشعبه حتى هذه اللحظة دون تأفف أو من أو أذى، وهو راض بذلك، كونه عرف قدر الوطن وكيفية الحفاظ عليه والإحسان إلى شعبه.
اللقاء المشترك
في فبراير ٢٠٠٣م كان للإصلاح الدور الرئيسي والبارز في تأسيس تكتل اللقاء المشترك الذي جمع معظم الأحزاب الموجودة في الساحة الوطنية والتي كانت قد وصلت إلى مرحلة اليأس من الممارسة السياسية ليأتي اللقاء المشترك ويلم شملها ويقود نضالا جديدا وغير مسبوقا لمواجهة الفساد بالطرق السلمية، فقد خرجت المسيرات وأُقيمت الاعتصامات، وشهدت البلاد حراكا سياسيا كبيرا، وقد نقل ذلك الحراك العملية السياسية في البلاد من حالة العزلة إلى فضاء العمل وعمّ الأمل في نفوس الجميع، وقد شهد اليمن بعد ذلك أول انتخابات ترشحت فيها شخصية قوية منافسة للرئيس السابق علي عبدالله صالح وهو المهندس فيصل بن شملان صاحب المواقف والمبادئ الوطنية الكبيرة، الذي شهد له الجميع وفي مقدمتهم منافسه آنذاك علي عبدالله صالح.
لقد حقق اللقاء المشترك الذي كان للإصلاح النصيب الأكبر في تأسيسه نجاحا حقيقا أربك حسابات النظام آنذاك وأجبره على التخلي عن بعض التجاوزات القانونية، ليس ذلك فحسب، بل إن تأسيس اللقاء المشترك كان مهددا لبعض الأنظمة العربية المستبدة والفاسدة، خوفا من أن تتكرر تجربة اللقاء المشترك في تلكم البلدان التي تعاني من الفقر والفساد وفكرة التوريث.
المشاركة في ثورة الشباب
شارك الإصلاح منذ وقت مبكر في ثورة الشباب الشعبية السلمية، وقد أضافت مشاركته زخما كبيرا للساحات، وظل يناضل بمعية كل المشاركين في الثورة حتى تُوّجت بتغيير النظام، وبدأت عجلة التغيير والتنمية والحرية تسير بخطى متسارعة بالبلاد إلى النهوض بعد موت سريري استمر لـ ٣٣ عاما، وبدأ العدل يسود ووزعت الوظائف العامة، حتى أنه تم توظيف آلاف الخريجين في الدولة، واستقر الاقتصاد وتحسن التعليم، وبدأ اليمن يبرم اتفاقات اقتصادية وتعليمية وتنموية مع الدول الأخرى، إلا أن ذلك لم يرق لأعداء الوطن، فدفعوا بالمليشيات الحوثية الإيرانية لإحداث انقلاب لم يشهد اليمن مثيلا له، وقد كان الإصلاح الحزب الأول الذي رفض ذلك الانقلاب، ليكن المستهدف الأول من قبل جماعة الحوثي الإرهابية، فعندما اقتحمت المليشيات صنعاء في ٢١ سبتمبر كان أول عمل إرهابي لها احتلال مقرات الإصلاح واعتقال كوادره وقياداته وأعضائه واقتحام منازلهم وتفجيرها، وما زال الإصلاح يدفع ضريبة رفضه للانقلاب حتى اليوم.
فبعد الثورة تعرض الإصلاح لحملات ممنهجة تبنتها قيادات من الداخل والخارج لديها مشاكل مع الوطن والشعب، وبعضها كانت لها مصالح على حساب الشعب فوقف الإصلاح في طريقها وأفشل كل مخططاتها، وما زالت هذه الحملات التي تُصرف عليها الملايين مستمرة، وما زال الإصلاح كبيرا ومستمرا في العطاء لشعبه.
تنازلات الإصلاح
بالرغم من التضحيات التي قدمها الإصلاح خلال فترة نضاله الطويلة، والتي كان شبابه سباقين في المشاركة فيها كالتظاهرات ضد النظام السابق التي استشهد فيها العشرات منهم، وكذلك المئات إن لم يكونوا الآلاف في معركة الدفاع عن الجمهورية والشرعية ومواجهة الانقلاب منذ العام ٢٠١٥م وحتى اليوم، إلا أنه ما زال يتعرض للإقصاء والضرب من الخلف، ومع ذلك فهو يتحمل ويتنازل على كل المكاسب الشخصية للحزب من أجل بقاء المكاسب الوطنية التي ستعود بالفائدة لكل أفراد الشعب.
إن تنازلات الإصلاح خلال فترة نضاله كانت كبيرة بحجم الوطن بشهادة الجميع، وهذا الأمر دفع بأفراد الشعب إلى احترامه وتأييده في كل مواقفه، كون الإصلاح رائد لا يكذب أهله، فهو ما زال يقدم التنازلات ويضحي ويتحمل من أجل هدفه السامي الذي يعرفه اليمنيون جميعا، فهو يقدم قوافل من الشهداء، في مواجهة الإمامة ودفاعا عن الثوابت الوطنية والجمهورية.