في كتابه (مَن يجرؤ على الكلام) سلط السيناتور الأمريكي (بول فِندلي) الضوء بشكل مقتضب على الفترة التي عاشتها عدن بعد الاستقلال. وذلك في معرض حديثه عن زيارته لمدينة عدن سعيا في إطلاق مواطن أمريكي حكم عليه بالسجن لإدانته بالتقاط عدة صور في أماكن محضورة من مدينة عدن.
وأشار فندلي إلى التخوفات الكثيرة التي عاشها قبل وصوله لعدن. فعدن التي أصبحت جمهورية من عام 1967 جنحت نحو الاشتراكية حتى أصبحت إذذاك تعرف بـ(كوبا العالم العربي) وبسبب من ذلك أظهرت كمية عداء واضح لأمريكا شأنها في ذلك شأن معسكر الاشتراكية في شتى أرجاء المعمورة. ويضيف (فندلي) سببا آخر لتخوفاته. فوزير الخارجية العدني المعني باستقباله شخص معروف بدمويته. "ولم يصبح وزيرا إلا لأنه قتل من مناوئيه أكثر من أي مرشح آخر للمنصب".
ومع ذلك فقد وصل الى عدن في مارس 1974 والتقى بالمسئولين العدنين وعلى رأسهم الرئيس سالم ربيع علي. وبعد أخذ ورد أطلق المواطن الأمريكي من سجنه ليعود إلى بلاده.
وقد سجل فندلي عددا من الملاحظات على هامش هذه الزيارة. فبريطانيا التي كانت محتلة لعدن أنشأت لها سفارة في عدن قبل مغادرتها. وعدن التي كانت مركزا تجاريا أصبحت أسواقها مقفرة.
وحين طُرحت فكرة زيارة وفد أمريكي لجنوب اليمن رأى الرئيس سالمين أن تقتصر الزيارة على مدينة عدن. موضحا: "إن عدن هي مثال متألق للجمهورية. أما المناطق الأخرى من بلادنا فوضعها متخلف جدا. وسكانها أكثر فقرا".
يقول (فندلي): "وهنا كدت أغص بريقي. إذ لم أشاهد غير عدن. وقد هالني الفقر المدقع الذي يعيشه هذا (المثال المتألق). فكيف هو الحال إذن في الأماكن الأخرى.
ثم ذكر فندلي بأن أجنحة الصقور داخل الحزب في وقت لاحق قتلت سالمين. ولم يذكر بطبيعة الحال أن سالمين وجه ضربة قاصمة للحياة المستقرة حين أعلن التأميم وأخرج المظاهرات الغوغائية مطالبة بتخفيض الراتب. لتبدأ بعدها رحلة الطوابير الطويلة.
كما لم يذكر مسيرة الدم التي لم تتوقف بدء بمقتل عبداللطيف الشعبي ثم مقتل سالمين ثم مقتل عبدالفتاح إسماعيل. ومعظم قيادات الحزب. كل هذه محطات بئيسة للدم والبارود لكن أعنفها ما حدث في 13 يناير 1986 حينما دخلت البلاد حمامات الدم ووجه الرفاق سلاحهم إلى صدور بعضهم. وكل ذلك وهم يحتفلون سنويا بعيد الاستقلال!!