لفرط ما اعتدناه غدى الموت مثله ككل الأشياء العادية والروتينية التي نتعاطها يومياً ولكثرة ما ألفناه ما عاد له من رهبة ولا هيبة ولا حتى قيمة في الحياة .
في زمن الموت الحي والفناء الفاحش والرحيل المبكر والنهايات المستعجلة خسرت الحياة وهجها و فقد الموت جلاله وسلطانه .
كل الطرق باتت سالكة نحو المقابر بل استحالت تلك الطرق إلى مقابر جماعية وأصبح الموت في متناول الجميع متوفراً بالجملة والتجزئة واضحت المقابر تشعر بالملل والرتابة والسؤم والضجر .
لا كرامة للميت اليوم ولا حرمة للجنازة ولا وقت للوداع ولا فرصة حتى لإقامة العزاء وهذا ما يتجسد واقعاً في غزة العزة .
ومن يعثر على قبر في غزة شخص محظوظ كما يقول الصحفي الفلسطيني هشام زقوت مراسل قناة الجزيرة .
لا يختلف الامر كثيراً في بلادنا فالمقابر عندنا صارت اسواقاً للثراء وتجارة رابحة لمن هم موتى على قيد الحياة .
في مناطق سيطرة جماعة الموت ارتفعت فاتورة الحياة وتضاعفت اسعار مستلزماتها ووحده الموت من يوزع هناك بالمجان ومن يمت لا يستطيع أهله شراء قبر له بعد ان اصبح بالعملة الصعبة .
من الوضح جداً أننا تألمنا حد البذخ و بكينا إلى درجة التشبع والتبلد وخسرنا بما يكفي لتجاوز الصدمات وبلغت اوجاعنا أقصاها ومشاعرنا ذروتها .
مراسيم الدفن ومواكب الجنائز من الامور الترفيه التي اصبحت للتباهي والمفاخرة ومقياساً لمعرفة الأثر في الحياة .
ما جرى ويجري من إبادات جماعية ومجازر وحصاد للبشر ونفوق للأدميين وتمثيل بالجثث يفوق حدود الخيال ويتجاوز القدرة على الوصف .
اختيار النهاية اللائقة والانسحاب المشرف من الحياة بات هاجساً يؤرق الكثيرين وحلماً صعب المنال في ظل آلة الموت التي لا تتوقف .