كما لو أن معركتنا المصيرية والوجودية مع الإمامة قد انتهت ووضعت الحرب أوزارها وكما لو أن الحوثي وحده لا يكفي ليكون عدو اليمنيين وخصمهم الأبرز يذهب البعض نحو صناعة خصومات عبثية وحروب ترفية وافتعال صراعات غبية ، وخلق عداوات عدمية .
طول أمد الصراع في البلاد ربما جعل اليمني مستنفر ومستفَز بشكل دائم، وفي حالة توتر مستمر و قلق لا ينتهي.
ونتيجة لذلك ايضاً بات البعض منا على استعداد لخوض اي صراع ولو مع نفسه ، واصبح لديه رغبة جامحة في الذهاب نحو أي حرب إلى ما لا نهاية و بدون هدف وبلا سبب وحتى بلا قضية ، تثيره ابسط الاشياء ، وتستفزه اتفه القضايا و تلك هي إحدى لعنات الحرب وأصغر أوزارها .
الشعور بخيبة الامل والاحباط لا يبرر أبداً أن نستجيب لأي نداء ضد بعضنا و لا أن نصطف وراء كل ناعق يسعى لتفريقنا ، ذلك الشعور لا ينبغي أن ينجر معه المثقف وراء التيار ويسبح مع أي موجه قادمة ويذهب في اتجاه اي ريح .
يعلن الحوثي إعدامات ميدانية للعشرات من الأبرياء والضحايا ونحن منشغولون بإعدام بعضنا بعضاً معنوياً .
لا يحتاج الحوثي أحياناً إلى عمليات التجنيد الاجباري وحملات التحشيد القسري لمناصرة مشروعه طالما يوجد بيننا من يتطوع بخدمته ويوظف قلمه وصوته في الهاء الناس وصرف الرأي العام عن جرائمه من خلال خلق معارك جانبية لا طائل منها .
تترك الحروب في العادة ندوباً كثيرة في الروح وجراحاً غائرة في النفس ونتوءات حادة في المجتمع .
وفي أوقات الحروب تحتاج المجتمعات عادة إلى من ينتشلها من قاع التخلف ومن يخرجها من وحل السقوط و مستنقع التردي وتزداد حاجتها اكثر إلى من يأخذ بيدها من حالة الشتات والتخبط و لا يمكن ان يتم ذلك بالمعارك العسكرية وحدها بل بمعارك الوعي التي لا تقل اهمية عن الاولى .
الشعور بالتشبع من الخطابات الوعظية والتوعوية والتنويرية والتعالي عليها والإنتقاص من رموزها حالة مرضية أفرزتها الحرب تستدعي سرعة التشافي منها .
حاجتنا اليوم إلى الاصغاء للخطاب الوعظي الواعي والمحتوى التنويري المبصر وإلى الاستماع إلى جلسات الدعم النفسي والمعنوي أكثر من اي وقت مضى حتى نستعيد كياننا و نرمم تصدعات و تشوهات الحرب وازالة اثارها في الروح والنفس والمجتمع .
خسر اليمنيون اغلب ما يملكون تقريباً ، جردتهم الحرب من كل شيء جميل ، سلبتهم الأشياء الأثيرة ، دمر الحوثي كل انظمة الحياة ، وعطل كل الأواصر والعلاقات الاجتماعية ، ومع ذلك لا زال لدينا ما نخشى خسارته وهو النظام القيمي .
اضعفت الحرب كل السلطات وقزمت كل الحكومات وغيبت معظم المسؤوليات وبقي المجتمع يحتكم لسلطات القيم ونظام الاخلاق ودولة الضمير .
ثمة توجه ممنهج اليوم نحو تسطيح وتحقير وتسخيف اهتمامات الناس والنيل من قيمهم كأهم مصادر القوة في المجتمع وللأسف أن فينا من يتساوق مع هذا التوجه بقصد وبدون قصد أحيانا .
أما يكفي أن يكون الحوثي عدو الجميع و تكون حربه ضد الكل حتى نتوحد و لا نحيد عن الهدف و نبتعد عن القضية الوطنية ولا نلتفت الى الخلف.