منذ انقلابهم الاسود في 21سبتمبر 2014م دأب الحوثيون على مصادرة كل ما تستطيع أيديهم الوصول إليه ، وكانت البداية بالسطو على مؤسسات الدولة المختلفة والاستيلاء عليها ونهب مصادرة محتوياتها وأموالها ، ونفذوا أكبر عملية سطو على الحسابات الحكومية في البنك المركزي في العاصمة صنعاء ، كما تم نهب ومصادرة كامل احتياطيات البنك من النقد الأجنبي، ثم تلا ذلك نهب ومصادرة جميع الصناديق الإيرادية وشمل ذلك النهب الصناديق ذات الطبيعة الفئوية كصندوق التأمينات والمعاشات، وصندوق التقاعد بوزارة الداخلية، والصندوق الاجتماعي للتنمية، وصندوق الرعاية الاجتماعية، وصندوق النشء والشباب، وصندوق النظافة والتحسين.
توسع عمليات النهب والمصادرة
كانت هذه العمليات التي رافقت الانقلاب فاتحة لمسلسل طويل من النهب والمصادرة شمل كل المحافظات التي تقع تحت سيطرة المليشيا وطال كل القطاعات والمجالات والفئات ، فما إن تم استكمال السيطرة على الاموال والمقدرات الحكومية بدأ سعار حوثي لنهب ومصادرة الأموال الخاصة ، سواء كانت هذه الأموال والمقدرات ملكية فردية كالمنازل والمحلات التجارية والأسواق والمصانع أو شركات قطاع خاص ذات ملكية فردية أو مساهمة .
يستخدم الانقلابيون الحوثيون القضاء الطائفي كعصا غليظة لتحويل الأموال الخاصة الى ملكية الجماعة المليشاوية ، ويتم ذلك عبر إصدار أحكام المصادرة للأموال والمؤسسات والمنشأت الخاصة تحت مبرر الخيانة والعمالة للخارج ، ثم يتم وضعها تحت إمرة جهاز «الحارس القضائي» والذي أنشئ في منتصف العام 2017م بقرار من محكمة يديرها الحوثيون (محكمة أمن الدولة) ، ويمتلك صلاحيات واسعة تمكنه من وضع يده على كل شيء يريده دون الخضوع لرقابة أي جهة او جهاز حكومي ، ويتبع واقعياً مكتب قائد الجماعة الانقلابية «عبدالملك الحوثي» .
فكرة خمينية بامتياز
في العام الذي توفى فيه 1989م أمر الخميني بإنشاء كيان خاص لمصادرة وإدارة أموال مخالفيه ، واستخدم القضاء لاصدار أحكام بنهب ومصادرة أموال ما يقارب من خمس واربعين الف شخص من المعارضين آلت كلها إلى اللجنة التي أمر بها ، والتي سماها «لجنة تنفيذ أمر الإمام» وبالفارسية «ستاد إمام» وهي تتبع مباشرة مكتب المرشد الإيراني وتشكل إمبراطورية مالية مستقلة بحد ذاتها لا تخضع للرقابة أو الإدارة الحكومية ، ووفقاً لتحقيق أجرته «رويترز» فإن مؤسسة «لجنة تنفيذ أمر الإمام» أقامت إمبراطوريتها بالاستيلاء الممنهج على آلاف العقارات المملوكة لأقليات دينية ورجال أعمال وإيرانيين مقيمين في الخارج ومعارضين للنظام الإيراني القمعي ، وقدّر التحقيق قيمة ممتلكات المؤسسة بنحو 95 مليار دولار .
يستنسخ الانقلابيون الحوثيون النموذج الإيراني بكل ممارساته في طريقهم لإقامة نسخة ثانية من إيران في اليمن ، ومن صور هذا الاستنساخ المقيت استخدام القضاء الطائفي للاستيلاء على أموال القطاع الخاص عبر «الحارس القضائي» ، ويعمل الانقلابيون من خلال هذا الجهاز على بناء اقتصاد جماعتهم بالسيطرة المالية والإدارية على أموال وشركات تتبع أفراداً أو مساهمين لا ينتمون للجماعة حتى وإن لم يعارضوها ، ثم يتم تحويل الأموال والشركات إلى ملكيات جديدة تخص القيادات السلالية لتأسيس اقتصاد خاص بهم ، تماماً كما فعل نظام الخميني عبر «لجنة تنفيذ أمر الإمام» .
إدانات محلية ودولية
تلقى انتهاكات الانقلابيين الحوثيين فيما يخص نهب ومصادرة الأموال الخاصة إدانات محلية ودولية فقد قالت «منظمة سام » في بيان لها: "إن ممارسات مليشيا الحوثي مخالفة للقانون وليس لها ما يبررها بأي حال، كما أنها تمثل انتهاكاً جسيما لحقوق الإنسان الأساسية، بما فيها الحق في الملكية، الذي كفلته القوانين الوطنية والدولية" .
وحذرت المنظمة : "إن استمرار مليشيات الحوثي في محاربة القطاع الخاص والتضييق على المستثمرين ينذر بتداعيات كارثية على الاقتصاد الوطني، ويُعطل الموارد العامة مثل الضرائب والزكاة، والمنافع الاجتماعية ذات الشأن العام لصالح جهات مسلحة جيرّت العوائد لصالح عملياتها العسكرية، أو لمصالح قياداتها" .
دولياً كان تقرير فريق الخبراء الدوليين المعني باليمن، تطرق إلى ممارسات الحارس القضائي ورئيسه صالح مسفر الشاعر ، وقال التقرير: "إن المحكمة الجنائية المتخصصة في صنعاء أصدرت أحكامًا بمصادرة جميع الأصول داخل البلد وخارجها، التي تعود إلى 75 قائداً عسكرياً و35 برلمانياً، وما لا يقل عن 100 من القادة السياسيين، والرئيس السابق هادي وأعضاء حكومته ، مشيراً إلى أن هذه الأحكام لا تتفق مع متطلبات الإجراءات القانونية العادلة، ومؤكدًا أن هذه القرارات والأوامر تأتي لإضفاء الشرعية والصفة القانونية على نهب الأصول وسرقتها والاستيلاء عليها.
وأكد التقرير أن الفريق يواصل التحقيق في هذه الأحكام وأثرها على المتهمين، وما إذا كان الحارس القضائي ينفذ أوامر المحكمة بمصادرة الأصول، والمكاسب المالية غير المتوقعة التي تحققت من هذه المصادرات، وكيفية مصادرة هذه الأصول وإدارتها، وما إذا كانت هذه الأموال تُستخدم لتمويل المجهود الحربي للحوثيين.
انحراف فكري
كل هذه الفوضى التي يحدثها الانقلابيون الحوثيون بحق الوطن والمواطن هي نتاج واضح للقناعات الشاذة التي يعتقدونها ، وترتكز في الأساس على حق سلالة بعينها في امتلاك الأرض والشعب والثروة ، واعتبار ما يملكه اليمنيون مباحاً لها ، ووفق هذه القناعات فلا حرمة لمال احد ، ولا لدمه كذلك ، ورغم ان هذه الخرافات العنصرية تجاوزتها الأمم وداست عليها الشعوب إلا أنها لازالت تعشش في الفكر الحوثي الدخيل والذي يفضل الارتهان لمشاريع وافكار مستوردة من إيران ، ويغض الطرف عن الإرث التاريخي والحضاري للإنسان اليمني ، والمرتبط بحضارة عريقة لها مقومات البقاء والاستمرار .
هذا الانحراف الفكري هو الذي أوصل البلد الى وضع مأساوي من اسقاط مؤسسات الدولة ، ومصادرة كل مقوماتها لتصبح النتيجة ارتفاع نسبة الفقر لتصل لأكثر من 80% ، وخسارة مابين 170 و200 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين 2015 و2022 فقط وفق المركز العربي للأبحاث ، وفاتورة طويلة من القتلى قدرتها الامم المتحدة بـ377 ألف ، وأعداد مضاعفة من الجرحى وطابور طويل من اللاجئين والنازحين ، وجراح اجتماعية ونفسية لن تكفيها عقود من الزمن لتلتئم وتشفى .