تشعر "رضية" بالرعب الشديد كلما طالعت بالأخبار تعرض المختطفين بسجون الحوثيين للتعذيب وتقول "عندما اسمع قصص التعذيب ادعو يارب ارحم حال زوجي لأنه قد يكون أحد الضحايا"، وتلك قصة معاناة يعيشها الآلاف من المختطفين والمخفيين قسراً.
تتحدث المرأة الأربعينية بحسرة عن قصة اختطاف زوجها "محمد عبد الله الحرازي" منذ ست سنوات، ولا تخفي حزنها الذي تقول إنه ملأ المنزل منذ أن أقدمت الميلشيات الحوثية على إخفاء زوجها قسراً، حيث لم تعرف معلومات عنه.
ويتشابه ضحايا سجون الحوثيين في اليمن حيث يتعرضون للتنكيل والتعذيب، ويمارس بحقهم الإخفاء القسري، ولا تكترث الميلشيات لمعاناة أسرة المثقلة بالحزن والأسى، والحاجة إلى المعيشية، بالإضافة إلى أن أحكام الإعدام فصل من المعاناة التي تتكبدها الأسر.
قصة الاختطاف
تم اختطاف الحرازي، في نوفمبر 2018 في إحدى النقاط التابعة لميلشيات الحوثي في مناخة، بينما كان عائداً إلى صنعاء، قادماً من قريته في صعفان – حراز مع عدد من رفاقه، بعد أن حضروا زفاف أحد معارفه.
ومحمد عبد الله غالب الحرازي من مواليد (1959)، كان يعمل في احدى المنظمات الدولية في صنعاء كمنسق ومراجع بيانات، اعتقلته عناصر الحوثي، ومنذ ست سنوات وهو في عداد المخففيين قسرياً، نظراً لعدم السماح لأحد من اهله بزيارته، وفي اغسطس 2020 حكمت عليه المحكمة الابتدائية بالإعدام.
تقول زوجته رضية لـ "الصحوة نت"، والدموع تخنق صوتها "كنت في أشهر حملي الأولى لطفلي الاخير إلياس، عندما اعتقل محمد في 5 نوفمبر 2018من نقطة تفتيش في مديرية "مناخة".
وأضافت "كان زوجي عائدا إلى المنزل بعد حضور عرس في صعفان مسقط راسه، كان برفقة خمسة من ابناء القرية، اعتقلوا زوجي وتركوهم، واتهموه بالتخابر مع "بريطانيا" ودعم الإرهاب".
تكمل حديثها: "منذ ذلك اليوم عشت متنقلة بين بيت أهلي وبيت أهل زوجي، وعشت على أمل أن يرجع زوجي يوماً ما، انتظرته وكلما تخيلته عائدا الى المنزل ابتسم رغم كل معاناتي، وأقتات على الصبر والدعاء له وانتظر أن اصحو من نومي يوماً ما، وأراه أمامي "، وهنا اكملت دموع رضية كلامها.
معيشة قاسية
تعاني أسر المختطفين من وضع معيشي سيء نتيجة أن عائلهم الوحيد مختطف وكان مصدر الأمان المعيشي، واضطرت كثير من الأسر بيع الأثاث من أجل مواصلة معرفة اماكنهم. وقالت رضية "كان زوجي هو العائل الوحيد لنا ولما اختطفوه عرفنا طعم الجوع والحرمان، واضطررت لمد يدي لأهلي والجيران ايضاً، وبعت غالبية اثاث المنزل ومقتنياتي الشخصية".
وتسرد تفاصيل أوجاعها بالقول "كنت ضعيفة جداً من الداخل، ودموعي تغرق وسادتي كل ساعة والدعاء لزوجي المفقود لا يفارق لساني، وبين يوم وليلة وجدت نفسي مطالبة بأن أكون انا الام والاب أمام أطفالي الستة لكي لا يتجرعوا مرارة اليُتم وأبوهم حي".
لم تترك "رضية" وسيلة للبحث عن زوجها ومعرفة مكانه او التواصل معه ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل، وفي 2022 حاول أحد المشرفين استغلالها ماديا مدعيا معرفة مكان اختطاف زوجها، مقابل حصوله على مليوني ريال يمني.
وقالت: إنها استطاعت تأمين مليون واحد من خلال الاستدانة وبيع ما تبقي من الذهب، وأخبرها المشرف أن زوجها موجود في مبنى الامن والمخابرات وحذرها من محاولة التواصل معه لأنها ستعرض نفسها للخطر.
حُزن مفتوح
تقول رضية "اعيش انا واطفالي في دوامة من الشك والقلق حيال مصير زوجي، هل هو على قيد الحياة؟ ماهو نوع وشدة التعذيب الرهيب الذي يتعرض له؟ هل مازال يذكرني ويذكر اولادي؟ أسئلة كثير معلقة بلا أجوبة ولكني اتوقف عند مجرد التفكير بأن زوجي مات وأرتاح من كل هذا العذاب".
وسألنا رضية عن اذا عاد زوجها اليوم كيف سيرى أسرته، وقالت بصوت مبحوح وعيونها تغرق بالدم "لو عاد زوجي اليوم الى المنزل سيرى ابنه " إلياس" لأول مرة، وسيجد ابنه "محمد" الذي تركه في الصف السادس وقد أصبح في اخر صف دراسي في الثانوية".
وتابعت: "سيفاجأ برؤية الشيب الذي غزا راسي والتجاعيد التي ملأت وجهي من كثر البكاء والسهر، وسيعرف بأن والدته توفيت في القرية وكانت امنيتها الاخيرة ان تراه، لقد تغيرت اشياء كثيرة منذ غادرنا ولم يعد حالنا مثلما كان".
جرائم مستمرة
وأعلنت رابطة أمهات المختطفين الأسبوع الماضي، تصفية ووفاة 20 مختطفا غالبيتهم في سجون مليشيا الحوثي بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي خلال الفترة من عام 2015، وحتى عام 2023. وأفادت "أن 8 مختطفين توفوا جراء التعذيب في سجون الحوثيين".
ويعد المختطف "الحرازي" واحد من مئات المخفيين أصدرت الميلشيات بحقهم أحكام اعدام، وقالت الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين إن مليشيا الحوثي أصدرت 145 قرار إعدام بحق مختطفين مدنيين، منهم 9 تم تنفيذ الإعدام بحقهم، بينما لا يزال 70 مختطفًا مدنيًا معرضين لخطر الإعدام.
وفي مؤتمر صحافي، تحت عنوان "لا للتصفيات السياسية" لتسليط الضوء على قرارات الإعدام الصادرة عن محاكم المليشيا غير الشرعية بحق المدنيين، اعتبرت الهيئة "أن استخدام القضاء في تصفية حسابات سياسية يشكل تهديدًا للمحتجزين السياسيين".
وطالبت الهيئة بإجراء تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات، ودعت إلى فرض ضغوط سياسية ودبلوماسية على الحوثيين، ومحاسبتهم، ومحاسبة المسؤولين عبر محاكم دولية لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.