تمر علينا ذكرى انقلاب الحوثي على الجمهورية ونقضه لكل الاتفاقات والتوافقات التي أجمع عليها اليمنيون مع أنه كان جزء منها ، وفي لحظة ضعف داخلية ذهب حاملاً كل ما أوتي من قبح وحقد ليعلن استعادة الإمامة صباح 21سبتمبر 2014م ، مستخدماً مسميات ووجوها مموهة لكن السنوات والأحداث اللاحقة كانت كفيلة بكشف الروح الإمامية الكهنوتية التي سكنت الانقلابيين ومحاولتهم الوصول لحلمهم القديم الجديد والمتمثل باستعادة الإمامة كدولة ومشروع ، والانتقام من النظام الجمهوري الذي كان أهم وأعظم انجازات ثورة 26سبتمبر المجيدة الذي تشرفت بإلقاء الأمامة مهانة ذليلة إلى مزبلة التاريخ .
21 سبتمبر ، المشهد والتطورات
كانت البلد في غضون أقل من عام على حدوث التغيير السياسي قد وصلت ألى برِ الأمان وعادت الحياة العامة لطبيعتها، ولم يتم تسجيل حالة انهيار لأي منشأة اقتصادية واحدة ، ولم تُغلِق البنوك ولا الأسواق ولا المحلات التجارية أبوابها خوفاً من أي عمليات نهب أو سلب أو فوضى أو تدمير ، وظلت مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والمدنية تمارس مهامها بشكل طبيعي ، ولم تُغلق الطرقات العامة سواء بين المدن أو في اطار المدينة والمحافظة الواحدة ، ثم تلا هذا الاستقرار الحدث الأجمل والأبرز والذي تمثل في مؤتمر الحوار الوطني الذي التقى فيه ممثلين عن جميع جهات وفئات الوطن على طاولة واحدة وشارك فيها الحوثيون كفصيل سياسي ليخرج الجميع برؤية مشتركة كان من شان تطبيقها أن تصل بالوطن إلى وضع أكثر استقراراً وعطاءً وتعايشاً ، وبدأت مرحلة صياغة دستور جديد يتناسب مع ماتم الاجماع عليه في مؤتمر الحوار ، وتحولت الجهود إلى البناء والتنمية عبر حكومة الوفاق الوطني التي ضمت كل الأحزاب والمكونات السياسية وقتها بما فيهم جماعة الحوثي التي تنكرت لاحقاً لكل ما تم .
استمرت البلد في حالة هدوء وتفائل حتى حدث مالم يكن بالحسبان يوم 21 سبتمبر 2014م وهو الانقلاب المشئوم الذي وفيه أنكر الانقلابيون كل الاتفاقات والتوافقات وكانوا جزء منها للاسف ، وانتفش الانقلابيون ينهبون المؤسسات المدنية والعسكرية والخاصة واسقطوا كل مقومات الدولة ، ثم فتحوا السجون والمعتقلات لمخالفيهم وتوزعوا في البلاد ناشرين القتل والنهب والتدمير والفوضى مهددين أمن وسلامة الاشقاء فكانت الحرب وتدخل التحالف العربي وتغير المشهد تماماً ليصبح اكثر قتامة ودموية ، ولازالت البلاد حتى اليوم وبعد مرور عشر سنوات غارقة في سوءِ اعمالهم ولازال اليمنيون يعانون شرّ ذلك اليوم الاسود الذي لم يجدوا بعده فرحاً ولا سرورا .
المشهد السياسي أول الضحايا
أكدت كل المؤشرات خلال تلعشر السنوات التي مرّت حقيقة أن الحوثية جماعة متعصبة لا تقبل التعايش أو الشراكة أو أي صورة من صور تقاسم السلطة ، فقد انقلب الحوثيون على حكومة هم شركاء فيها! فقط لأنها تشمل غيرهم من القوى السياسية ، وأطماعهم تتجاوز المشاركة إلى الاحتكار ، وهذه المطامع تقضي على مبادئ الحياة السياسية التي تقوم على مبدأ التعددية بما يتيح للشعب أن يجد من يمثله في مراكز اتخاذ القرار .
مشهد المشاركة السياسية ودور الشعب في اتخاذ القرار عبر الأطر الديمقراطية يتصادم مع أوليات الفكر الحوثي الطائفي الذي يجعل سلالة بعينها وصية على الشعب تحكمه بالحديد والنار ، وتنهب ثروته وتقتله إذا اعترض أو بدا لها أنه يمكن أن يعترض يوماً ما ، وكل ذلك تحت مظلة الدين ، بينما ندرك بدهياً أن ديننا الحنيف لا يقر هذه الممارسات ولا يجيزها بالمطلق ، ومن شأن اي جماعة أو تشكيل سياسي لا يؤمن بالتعايش أو المشاركة أن يمارس القهر والتسلط ولا يصلح بالمطلق لحكم البلدان والشعوب في عصر لم يعد الناس غافلين عن حقوقهم ، ولا معزولين عما يدور من حولهم .
التفريط في السيادة الوطنية وتسليم البلد لإيران
ما إن نجح الانقلابيون في 21سبتمبر إلا وذهبوا في عجل لتقديم قرابين الولاء لإيران لتستخدمهم كأدوات وأوراق ضغط لتجاوز عزلتها الدولية ، وتقديم نفسها كلاعب رئيس في الشان الدولي ، وهم بهذه التبعينة المهينة يلحقون الضرر البالغ باليمن واليمنيين غير آبهين بما سببه انقلابهم أولاً ثم استجلابهم العالم بقضه وقضيضه ثانياً للمياه الاقليمية تحت ذريعة حمايتها منهم ، ليتحول البحر الاحمر وخليج عدن الى مقر للبارجات والسفن الحربية التي تسابقت عليه من كل حدبٍ وصوب وبدا واضحاً أن قوى الهيمنة والاستعمار كانت تنتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر .
تصرّح إيران بكل وضوح أن البحر الأحمر وباب المندب أضحى تحت سيطرتها ، أو بالأحرى نجحت بنشر الفوضى فيهما ، وكل ذلك بفضل جهود وكلائها المخلصين الذين يمموا شطرها ناسين أو متناسين ما يلحق باليمن براً وبحراً منذ أن أعلنوا انقلابهم وحربهم الشاملة على كل ماهو جميل في هذه الأرض ، وباشروا نشر الفوضى في المنطقة ، ووفروا المبررات الكافية لتواجد القوى الدولية واستعادتها لدورها الاستعماري القديم ، وسلب ما تبقى من سيادة للدول في المنطقة سواءً المشاطئة للبحر الأحمر أو التي تعتمد كلياً عليه لتسيير اقتصادها .
إحياء الطائفية والسلالية
درجت الإمامة القديمة على تقسيم اليمنيين إلى فئات وطوائف اجتماعية اعتماداً على أنسابهم وما يؤمنون به أو يعتقدونه ، وبالمقابل اختصت نفسها بميزة السيادة وقصرت على ذاتها حكم البلد والتحكم به دون بقية الشعب مدعية حقاً إلهياً مزعوماً لم ينزل الله به من سلطان ، وحين قامت ثورة 26سبتمبر المجيدة كانت من أولى أولوياتها الغاء هذه الفوارق وتعميم المساواة على اليمنيين كشعب واحد لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات .
أعاد انقلابيو 21سبتمر إحياء هذه الرذيلة واثبتت لنا عشر سنوات انقلاب أننا أمام جماعة طائفية تتكئ على تاريخ من الصراعات المؤدلجة والتي مرّت عليها قرون عدة ، لكنها ظلت تستحضرها في كل مرحلة ، وتستخدمها سلاحاً لاستمالة قلوب البسطاء تماماً كما كان فعل الإماميون القدامى ، ومنذ انقلابها تجتهد جماعة الحوثي الإنقلابية في محاولة تسخير اليمنيين لخدمة مشروعها الطائفي الذي يقسّم الناس وفق أنسابهم ، ويضع السلالة المسيطرة في أعلى مرتبة ، وهذا ما يبيح لها -وفق تقسيمها الطائفي- الاستحواذ على كل ما تتمكن من الوصول اليه من أموال وثروات وامتيازات ، بالإضافة إلى سلطة مطلقة غير قابلة للمُساءلة أو المراجعة تحت مبرر ديني صنعته الطائفة لذاتها والدين منه بَراء ، وهذه الطائفية المقيتة بدت أكثر وضوحاً في تعامل الجماعة وقراراتها وأفعالها المختلفة ، وبدا جليا أنها تحمل مشروعاً سيئاً يسخّر الشعب والثروة والسلطة لخدمة السلالة ، وليذهب بقية الشعب وهم الغالبية العظمى للهلاك ، وتحت ظل الشعارات الطائفية يتم الاستهانة بالدماء والأرواح ، ونشر ثقافة إباحة القتل للمخالف والنهب لأمواله وأرضه وتفجير و إحراق منزله ، واعتبار المال العام حق لسلالة بعينها دون سواها ، والتعامل مع بقية الشعب كخدماً لهذه السلالة مباحين الدم والمال والجهد.
شلالات دماء لم تتوقف منذ 21سبتمبر
تؤكد لنا الوقائع منذ جاء الانقلابيون الحوثيون أننا أمام جماعة دموية بامتياز ، تميل بتركيبتها إلى سفك دماء كل من لا يروقها سواءً كان مخالفاً أو حتى حليفاً ، ولا تحرك ضميرها بالمطلق شلالات الدماء التي تسفك على أيدي مسلحيها الذين تجردهم من كل فضيلة ، وتمارس في حقهم عملية غسل دماغ رهيبة تطلقهم بعدها وقد تجردوا من إنسانيتهم واستبدلوها بأوهام مرتبطة بالصراعات التي تستحضرها الجماعة في كل عمليات القتل والتدمير في اليمن وسوريا ولبنان والعراق ، فهم يقنصون الأطفال والشيوخ ويحاصرون المدن ويختطفون المدنيين انتصاراً لدم الحسين! ووصلت بهم الاستهانة بدماء اليمنيين انهم يسمون القناصين الذي يقتلون الأطفال والنساء بـ"المسبحين" والقاتل الذي يرسل النيران إلى المدن والأحياء بـ"المجاهد" ، وهذا الفعل بقدر ما يشمل جريمة لكن الاستهانة بالضحايا واعتبار قتلهم "جهادا" يرسم لنا صورة قاتمة لهذه الجماعة الانقلابية المارقة .
يمارس انقلابيو 21سبتمبر منذ عشر عجاف سفك الدماء بأشكال وصور متنوعة ، وقد أبدعو في تنويع وسائل الموت ولم يتركوا طريقة قديمة أو حديثة إلا وانتهجوها ، وزادوا على ذلك بابتكار طرق وأساليب أكثر وحشية واشد إيلاما ، فمارسوا قصف المدن والقرى بما فيها من مدنيين بقذائف الدبابات والمدافع والصواريخ والطائرات المسيرة ومختلف الاسلحة المتوسطة والثقيلة ، كما نشروا كتائب القناصين على الأبنية المرتفعة والجبال لاستهداف كل ما يتحرك سواء كان كهلاً يحرث أرضه ، أو طفلاً يرعى أغنامه، أو ام تجلب الماء لتروى عطش أطفالها ، ومن يسلم من القصف أو القنص تنتظرة الألغام التي زرعها الحوثيون في كل أرض وطأتها مليشياتهم بعد انتفاشتهم المقيتة .
بلد خالي من كل مقومات الحياة
منذ انقلاب الحوثيين على الجمهورية واسقاط ونهب كل مقومات الدولة يعيش الوطن أسوأ أوضاعه ، فانقلاب الحوثي في 21سبتمبر وما تبعه من حرب لاستعادة الجمهورية تركت اليمن بلداً خالٍ من كل مقومات الحياة ومُترعاً بالمآسي والاوجاع ، وعشر سنوات وسجل مطوّل من الانتهاكات والجرائم والممارسات الحوثية خلالها أعادت التذكير بحقائق مهمة مرتبطة بهذه الجماعة المليشاوية حاولت بالخطاب المعسول وبالصورة المزيفة خداعنا عن الحقيقة ، لكن سلوكها في الواقع فضحها ووضعنا أمام الصورة الحقيقية واضحة جلية .
هذه الصورة السوداوية لحقيقة هذه الجماعة التي كشفتها سلوكياتها الإجرامية شملت كل الارض اليمنية سواء التي تقع تحت سيطرتها أو التي تم استعادتها من قبل الحكومة الشرعية ، وبات كل يمني أمام مواجهة حقيقية مع سلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات التي طالت كل جوانب الحياة ، وشملت كل فئات المجتمع ، واكتوى بنارها البشر والشجر والحجر ، وكلها وضعتنا أمام الصورة القاتمة لهذه الجماعة والتي حاولت ولازالت تحاول إخفائها عبر خطاب برجماتي كاذب يزوّر الحقائق ويحاول صناعة صورة وردية لهذا الانقلاب المشؤوم عبر بروباجندا إعلامية موجهة ومركزة ومدعومة من إيران .