إلى جانب الأزمة الأمنية والإنسانية المتردية، تتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد بشكل تسبب في انهيارٍ غير مسبوق للعملة الوطنية، إذ يواصل الريال اليمني انخفاضه الكبير مقابل العملات الأجنبية في السوق الموازي.
وتراجعت قيمة العملة الوطنية في البلاد بشكل غير مسبوق منذ بداية الأزمة اليمنية، حيث سجلت العملة الوطنية في تعاملاتها أدنى قيمة تاريخية لها على الإطلاق أمام الدولار الأمريكي خلال افتتاح تعاملات الأسبوع الجاري، يوم السبت الماضي.
وفي أعلى تراجع للريال اليمني في تاريخه، يقترب سعر صرف الدولار الأمريكي من كسر حاجز 2000ريال يمني، بعد أن وصلت تعاملات الدولار الأمريكي خلال اليومين الماضيين إلى 1953ريال في عملية الشراء و1970ريال في عملية البيع.
وحاول موقع "الصحوة نت" التواصل مع مدراء في البنوك اليمنية لمعرفة المزيد من التفاصيل، إلا أنهم اعتذروا عن التصريح.
وتمثل قضية انهيار العملة الوطنية الهم الشاغل لكل اليمنيين باعتبارها قضية تلامس واقعهم المعيشي وتهدد حياتهم. في هذا التقرير، نلقي الضوء على الأسباب والعوامل التي ساعدت في تدني قيمة العملة الوطنية، وتداعيات هذا التدني التاريخي على الاقتصاد اليمني والوضع المعيشي للمواطنين.
- عوامل انهيار العملة:
أدت جملة من الأسباب إلى خلق حالة من الاختلال في الاقتصاد الوطني، وساهمت في حدوث هذا الانهيار الكبير لقيمة العملة الوطنية أمام ما يقابلها من العملات الأجنبية وتراجعها إلى أدنى مستوى في تاريخها.
يقول الخبير الاقتصادي مصطفى نصر "بأن هناك أسباب منطقية وراء هذا التراجع الكبير لقيمة العملة الوطنية، تتعلق بشحة السيولة من العملة الصعبة وهذا جراء توقف صادرات النفط" نتيجة الاستهدافات الحوثية المتكررة على مصافي النفط في البلاد.
ويضيف "مصطفى نصر" في تصريحٍ لـ"الصحوة نت" بأنه إلى جانب توقف صادرات النفط، هناك أيضًا زيادة في فاتورة الاستيراد من الخارج، وهذه أسباب تجعل هناك زيادة في الطلب على الدولار في الأسواق المحلية أكثر مما هو متوفر.
ويشير "نصر" إلى أن زيادة الطلب على الدولار في الأسواق المحلية نتيجة طبيعية لتوقف صادرات النفط وتراجع مصادر النقد الأجنبي للحكومة اليمنية لا سيما وأن هناك تراجع حتى في المساعدات الخارجية المقدمة لليمن بشكل ملحوظ.
ويرى أن بعض أسباب تدهور العملة الوطنية هي أسباب مفتعلة، منها ما يقوم به المضاربون في السوق، فهناك مضاربات من قبل تجار العملة، وهؤلاء في العادة يدفعون باتجاه مزيد من الضغط على الريال اليمني لتحقيق مكاسب من هذه المسألة.
ويلفت "نصر" إلى أنه بات من الواضح أيضًا أن هناك حالة انكماش يعيشها الاقتصاد اليمني جراء توقف تسليم المرتبات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وأيضًا تأخرها في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
هذه الأسباب مجتمعة تشكل ضغطاً كبيراً على العملة اليمنية الريال في ظل أيضًا حالة الركود الاقتصادي وغياب مصادر النقد الأجنبي وضعف الصادرات النفطية، وأيضًا ضعف الصادرات بشكل عام، وتراجع في الإنتاج الإجمالي المحلي. بحسب "مصطفى نصر".
- تداعيات انهيار العملة:
يشير خبراء ومحللون اقتصاديون إلى أن تراجع العملة الوطنية بهذا الشكل الحاد وغير المسبوق سيؤثر بشكل مباشر وخطير على الاقتصاد المحلي للبلاد ويضاعف من حجم المعاناة الإنسانية وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي.
وخلال يومين فقط من بدء انهيار العملة الوطنية، تشهد الأسواق المحلية موجة غير مسبوقة من الغلاء وزيادة حادة في أسعار كافة السلع الغذائية التي يتم استيرادها من الخارج بنسبة 96%، وهو ما ينذر بكارثة اقتصادية بدأت ملامحها بالظهور تدريجياً على حياة المواطنين المعيشية.
ووفق تقارير دولية، فإن استمرار تدهور العملة الوطنية دون تقديم معالجات سيحول في المستقبل القريب دون قدرة ملايين المواطنين من تلبية أدنى احتياجاتهم الغذائية الضرورية، لا سيما مع اتساع دائرة الفقر إلى ما يزيد عن 80% من إجمالي السكان.
- فشل في احتواء الأزمة:
فيما يتعلق بقراراتها في السياسة النقدية، فشلت الحكومة اليمنية - في جميع تدخلاتها السابقة- في وقف هذا النزيف المستمر للعملة الوطنية ومحاولة تثبيت قيمتها أمام العملات الأجنبية والتصدي لمحاولات العبث بالاقتصاد الوطني.
يرى المحلل الاقتصادي "وفيق صالح" أن كافة التدخلات التي قامت بها الحكومة الشرعية في موضوع العملة الوطنية لم تؤتِ أكلها، لأنها في الأساس تدخلات خجولة لا تلامس لُب المشكلة.
ويذكر "صالح" في تصريح لـ"الصحوة نت" أن هناك مجموعة أسباب وقفت دون الحيلولة إلى نجاح الجهود الحكومية المبذولة في سبيل مواجهة انهيار العملة، يقف على رأسها توقف المصادر المستدامة من العملة الصعبة للبنك المركزي.
بالإضافة إلى الانقسام النقدي والمصرفي الذي كرسته مليشيا الحوثي، وهذا الانقسام عمل على خلق بؤر استنزاف كبيرة للنقد الأجنبي في مناطق الحكومة الشرعية. بحسب تصريحه.
ويلفت "صالح" إلى أن الحكومة تفتقر إلى الكثير من أدوات السياسة النقدية في البلاد، لأن البنك المركزي اليمني عندما اتُخِذ قرار نقله إلى عدن لم يتم نقله بشكل كامل وظلت عدة أوراق مالية ونقدية تحت سيطرة المليشيا الحوثية في صنعاء.
ويوضح بأن مليشيا الحوثي تتلاعب بقيمة الريال اليمني في المحافظات المحررة ويعملون على طلب مفتعل للعملة الصعبة والنقد الأجنبي لأن جميع احتياجاتهم في الاستيراد وعمليات الائتمانات المصرفية والبنكية تأتي من مناطق الشرعية.
ويقول "صالح" بأن هنالك نظام سوق حر في محافظات الشرعية يسمح ببيع وشراء العملات الصعبة بكميات كبيرة، وهو مالا يوجد في صنعاء وبقية مناطق الحوثي لأن هناك قيود شديدة من قبل المليشيات على بيع وشراء العملات الصعبة.
كما أن جزءاً كبيراً من العملات الأجنبية التي تطلب من المحافظات المحررة تذهب لتوفير حاجات الاستيراد في صنعاء للشركات والبنوك، وهذا الاختلال المالي الحاصل يضغط بشدة على الريال اليمني بالطبعة الجديدة في المحافظات المحررة ويؤدي إلى تدهوره بشكل كبير.
- معالجات مقترحة:
ينوِّه "وفيق صالح" إلى أنه من المهم أن تبادر الحكومة خلال الوقت الراهن، إلى دراسة وتشخيص المشكلة ومعرفة الأسباب والعوامل التي أدت إلى انهيار العملة الوطنية ، بشكل معمق ، ومن ثم البدء بوضع الحلول والمعالجات التي تحد من تفشي الأزمة، وتحافظ على الاستقرار المطلوب للعملة الوطنية في سوق الصرف.
ويؤكد بأن هذا الوضع يتطلب من الحكومة سرعة إعادة تفعيل وإنتاج الصادرات النفطية، وإعادة ضبط النظام المصرفي، وتنفيذ سياسة نقدية صارمة، وفرض رقابة شديدة على أسواق الصرف.
ويشير "وفيق صالح" إلى ضرورة تدخل البنك المركزي في تثبيت سعر الصرف عند مستوى محدد، ومكافحة المضاربين والمتلاعبين بالعملة، والذين ينشطون بشكل مكثف للتأثير على قيمة العملة المحلية والإضرار بسوق الصرف.