منذ انقلابها على السلطة، تنامت جرائم مليشيا الحوثي وانتهاكاتها بحق أطفال اليمن بشكل كبير وبطرق وأساليب متعددة، وآخر تلك الجرائم اغتصاب الطفلة جنات السياغي (9 أعوام) من قبل أحد عناصر مليشيا الحوثي.
تفاصيل الجريمة
في مطلع يونيو الماضي، أقدم المدعو أحمد نجاد (29 عامًا)، شقيق أحد مشرفي مليشيا الحوثي في منطقة أرتل مديرية سنحان، جنوبي صنعاء، على اختطاف واغتصاب الطفلة جنات التي تدرس في الصف الثاني الابتدائي.
عقب الجريمة، قام والد الطفلة جنات، طاهر السياغي، بإبلاغ الجهات الأمنية عن الحادثة، ليتفاجأ بعدها بمحاولات "وساطة" تعرض عليه الصلح، مقابل تزويج طفلته على المجرم المغتصب ودفع مبالغ مالية، لكنه رفض ذلك مؤكدًا أنه لن يرضى إلا بالقصاص وحكم الله وتطبيق الشريعة الإسلامية.
لجأ "السياغي" الى الرأي العام والقبيلة، وناشدهم الوقوف معه والانتصار لمظلوميته وإنصاف طفلته جنات، باعتبار أن قضيتها قضية شرف لكل اليمنيين، لتتحول حينها الجريمة إلى قضية رأي عام في البلاد.
ولاقت قضية الطفلة جنات تضامنًا شعبيًا واسعًا من قبل اليمنيين، الذين عبروا عن غضبهم ورفضهم لانحياز أحد القضاة التابع للمليشيا الحوثية إلى جانب المجرم، تحت مبرر انتماء المجرم العرقي للسلالة الكهنوتية الحوثية.
واحتشد أبناء مديرية الحيمة في ميدان السبعين، وسط العاصمة صنعاء، للمطالبة بالقصاص وتطبيق العقوبة الرادعة على المتهم، مؤكدين رفضهم لأي حديث عن الوساطة والصلح قبل تطبيق الحد الشرعي على المغتصب الحوثي.
انحياز القضاء
يرى محامون وحقوقيون أن جهاز القضاء الواقع تحت سيطرة المليشيا الحوثية انحاز، في هذه القضية، بشكل واضح إلى جانب المجرم مغتصب الطفلة جنات.
فقد أصدر رئيس المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة القاضي، يحيى منصور، في 12 من اكتوبر الجاري، حكما بمعاقبة الجاني أحمد حسين نجاد، بعد إدانته بالسجن 15 سنة ودفع غرامة قدرها 6 مليون ريال لأسرة المعتدى عليها.
من جهتهم، أدان أهل الضحية الحكم الصادر من المحكمة التي تديرها المليشيا، معتبرين أن أركان الجريمة بحق طفلتهم قد اكتملت بإصدار هذا الحكم الذي وصفوه أهل الضحية "بالسخيف".
كما عبر ناشطون عن رفضهم للحكم الصادر بقولهم "إن الطفلة جنات قد ذبحت مرتين، مرة على يد المجرم، أحمد حسين نجاد، وأخرى على يد القاضي المتواطئ، يحيى المنصور".
حكم غير منصف
اعتبرت جهات قانونية هذا الحكم ظالما وغير منصف للطفلة جنات وعائلتها، ومتحيزا لصالح المجرم الحوثي، لا سيما وأنه قد اعترف بارتكابه الجريمة.
حيث أوضح المحامي عبدالله غالب حميد أن "المادة 269 في قانون العقوبات والجرائم اليمني تنص على أنه متى سقط الحد الشرعي لسبب من الأسباب المقررة، يعاقب المجرم بالحبس مدة لا تزيد على 15 سنة".
وأشار "حميد" في تصريحٍ لـ"الصحوة نت" إلى أن الحد الشرعي في هذه القضية لم يسقط لان الطفلة جنات فقدت بكارتها وبالتالي تدمرت حياتها وحياة أسرتها.
وذكر أن أشقاء المدعو نجاد وأقربائهم قاموا بتهديد والد الطفلة ومحاولة إجباره على التنازل والرضوخ للصلح، وبالتالي فقد أصبحت هذه الجريمة ضمن نطاق الحرابة وعقوبتها هي الإعدام أو النفي.
من جهته قال المحامي والناشط نجيب فوز "إن كل يمني يشعر بالألم والغضب الذي شعر به والد جنات بعد سماع هذا الحكم الجائر المتحيز، فقد كان كل يمني يتمنى أن يعدم هذا المجرم وأمثاله الذين ينشرون الرعب والهلع لكل أسرة يمنية".
وأضاف في تصريحٍ لـ"الصحوة نت" أن تخليص المجتمع من هذه الآفات الشاذة بات ضرورة ملحة لإعادة الشعور بالأمن والسكينة لدى الناس، مشيرًا إلى أن الحكم لم يكن منصفا ولم يأخذ بحق الطفلة جنات وأسرتها.
قائمة انتهاكات طويلة
حادثة الطفلة " جنات " اعادت للذاكرة حوادث اغتصاب مماثلة قامت بها عناصر تابعة لمليشيا الحوثي بحق أطفال يمنيين في أكثر من محافظة، وهو ما يكشف حالة الانحلال الأخلاقي والسلوك الإجرامي لدى عناصر المليشيات.
ففي مايو 2023، اغتصب مشرف تابع للمليشيا الحوثية في مبنى إدارة أمن مديرية الحُشا محافظة الضالع، الطفل " أيمن" البالغ من العمر 11 عاما.
حيث قام المشرف الحوثي باستدعاء الطفل أيمن، والذي كان سجينًا لدى أمن المديرية، بحجة التحقيق معه، بعد منتصف الليل، وأقدم على جريمته النكراء في اغتصاب الطفل.
وفي أبريل الماضي، قُتل في العاصمة صنعاء أحد عناصر المليشيات "مشرف ثقافي" يدعى "أبو حيدر الجهراني" واصابة آخر، برصاص مواطن على خلفية قيام الجهراني باغتصاب نجله ذو الثلاثة عشر عاما.
الجريمة هذه المرة لم تكن في سجون المليشيات إنما في أحد المراكز الصيفية التابعة للمليشيات، بمديرية معين بأمانة العاصمة، بعد يوم واحد فقط من تدشين المليشيات للمراكز الصيفية في مناطق سيطرتها.
وفي أغسطس الماضي، قام أحد عناصر المليشيا الحوثية باغتصاب طفل في السجن المركزي بمديرية رداع، محافظة البيضاء، وذلك أثناء زيارة الطفل لشقيقه السجين.
وقد أثارت هذه القضية غضب القبائل وتجمع عشرات المسلحين وحاصروا المجمع الذي يضم السجن المركزي والمحكمة والنيابة، ليُقتَل على إثر ذلك أحد مشرفي المليشيات برصاص مسلحين غاضبين أمام المحكمة، ولا زالت تداعيات القضية قائمة.
ما خفي أعظم
في السياق، قال الصحفي "خالد الصوفي" في تصريحٍ لـ"الصحوة نت" إن جرائم الاغتصاب والتستر على المجرمين يكشف الوجه القبيح لمليشيات الحوثي.
وأضاف "صحيح أن الشارع اليمني صُدِم بحادثة اغتصاب الطفلة جنات على أيدي قياديين في جماعة الحوثي، لكن في الحقيقة أن هذه الجرائم في ازدياد بسبب غياب المحاسبة والعقاب للمجرمين المرتكبين لهذه الجرائم".
وأشار "الصوفي" إلى أن هناك جرائم لا تخرج إلى الرأي العام، وأن عدد الضحايا الفعليين أكبر بكثير، نظرًا لضمان المجرمين عدم تعرضهم لأي عقاب بسبب مواقعهم أو أقاربهم في مناصب قيادية لدى الميلشيات.
جرائم حرب
وترى الناشطة الحقوقية "بشرى المقطري" أن جرائم اغتصاب الأطفال تزايدت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة كنتيجة مباشرة لحكم الميليشيا الحوثية.
وأشارت إلى أن الغالبية العظمى من مرتكبي تلك الجرائم تنتمي للمليشيا الحوثية، والتي بدورها توفر لهم الحماية وتضمن الإفلات من العقاب، في ظل ضعف مؤسسات الأمن وسيطرة الحوثيين على القضاء.
ودعت المقطري في حديثها مع "الصحوة نت" مؤسسات حماية ورعاية الطفل للقيام بواجبها خصوصًا مع ظاهرة خوف الأهالي من العار والتشهير.
وأضافت المقطري أن حالة اللادولة تجعل الأطفال عرضة للاعتداء الجنسي، وهؤلاء الضحايا وأسرهم يجدون أنفسهم بدون حماية في مواجهة عصابات الانتهاك الجنسي وداعميهم.
وأردفت القول: "يجب على المنظمات الدولية المعنية عدم التسامح مع هذه الجرائم، وحماية الأطفال من منتهكي الإنسانية وأعداء الطفولة، فاغتصاب الاطفال يعد من جرائم الحرب، وتضاف إلى قائمة جرائم الحرب الطويلة التي ارتكبتها جماعة الحوثي.
يشار إلى أن اليمن شهدت، خلال السنوات العشر الأخيرة، ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الجرائم الجنائية وحالات الاغتصاب، بشكلٍ غير مسبوق يهدد أمن المجتمع وقيَمَهم.
ويرجع ذلك - بحسب مراقبين- إلى الثقافة الدخيلة لمليشيا الحوثي على المجتمع اليمني، ومحاولاتها الدؤوبة في انسلاخ اليمنيين عن عاداتهم وتقاليدهم التي تمنع ارتكاب مثل هذه الجرائم والانتهاكات المروعة.