لم يكتفِ الكهنوت الحوثي بارتكاب جرائمه بحق اليمنيين داخل البلاد ونهب رواتب موظفي الدولة، وتدمير القطاع الخاص فحسب، بل عمد أيضًا إلى استهداف ممنهج لملايين من المغتربين اليمنيين في الخارج.
في هذا التقرير الصحوة نت، نسرد غيضًا بسيطًا من فيضِ الانتهاكات الحوثية بحق المغتربين اليمنيين، والتي تمارسها المليشيات بأشكال وطرق متعددة، بعيدًا عن أعين المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام.
- لماذا المغتربون؟
في البدء، تجدر الإشارة إلى أن التحويلات المالية للمغتربين لليمنيين إلى الداخل احتلت خلال السنوات الأخيرة المرتبة الأولى من بين مصادر الدخل من العملات الأجنبية. ويعتمد ما يزيد عن 45% من الأسر اليمنية على هذه التحويلات المالية كمصدر دخل أساسي للعيش الكريم.
وتشير تقديرات ببلوغ التحويلات نحو 4.5 مليار دولار سنوياً في الأعوام الأخيرة، ما يعني أنها أهم مصدر دخل في البلاد، متفوقةً على إيرادات النفط والغاز، والتي كانت لا تتجاوز ملياري دولار سنوياً في أحسن الأحوال.
- فرض جبايات:
وفق شهادات ميدانية لـ"الصحوة نت" فإن مليشيا الحوثي كانت قد فرضت، خلال سنوات حربها مع الحكومة الشرعية، مبالغ مالية على جميع المغتربين اليمنيين، ويقوم كل مشرف حوثي بتحصيل المبالغ من أسر المغتربين كل ثلاثة أشهر في المنطقة التي يشرف عليها.
وبحسب الشهادات فإن المليشيات خيرت أسر المغتربين بين قبول دفع المبالغ المقررة أو التكفل بتجهيز مقاتل من أحد أفراد الأسرة، تحت ما يسمى بـ"المجهود الحربي"، وهو ما يضع أسر المغتربين مجبرة في الموافقة على الدفع.
وتمارس المليشيات مضايقات ضد من يرفض توفير مطالبها، بدءًا من التحريض بالقول أنهم عملاء ومرتزقة وخونة لصالح دول أجنبية، مرورًا بتهديد الأبناء في الداخل، أو اقتحام منازل المغتربين بذريعة التفتيش عن مختبئين فيها.
- نهب المسافرين:
يشكو المغتربون اليمنيون من تعرضهم لعمليات نهب وسرقة في كل نقطة أمنية تابعة لمليشيا الحوثي في مناطق سيطرتها، أثناء رحلة عودتهم إلى البلاد أو العكس.
يقول المواطن (خ . م)، مغترب يمني عائد بسيارته برفقة زوجته وأطفاله من السعودية، أن أفراد النقاط الأمنية التابعة لمليشيا الحوثي أجبروه على دفع ما لا يقل عن 50ريال سعودي في كل نقطة أمنية مقابل عدم إيقافه وعرقلته وتفتيش الأغراض وإتلافها.
ويضيف لـ"الصحوة نت" بأنه اضطر أيضًا لأن يدفع 250ريال سعودي لأحد الحواجز الأمنية التابعة للمليشيا الحوثية على مدخل العاصمة صنعاء، بعد أن تمت عرقلته بمبرر أنه يحمل أغراضًا تزيد عن الوزن المسموح الذي حددته المليشيات.
من جهته، سرد أحد المغتربين لـ"الصحوة نت" قصة إيقافه واعتقاله في نقطة أمنية حوثية برداع، أثناء عودته إلى مسقط رأسه في ذمار، قائلًا: "تم توقيف الباص الذي كنت فيه عند نقطة "أبو هاشم" برداع، ثم طلع أحد عساكر النقطة إلى الباص وأمروا الجميع بالنزول مع إحضار بيانات إقاماتهم".
وأضاف (م . ف)، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "بعد تدقيق جوازي وبيانات إقامتي، أمروني بإنزال أغراضي، ثم أشار العسكري إلى الباص بالعبور بعد أن أكمل تفتيش كل من فيه، فيما بقيت أنا محتجزًا في النقطة، وعندما أسألهم عن السبب يقولون انتظر المشرف".
بعد 12ساعة، وصل مشرف النقطة المكنى "أبو هاشم"، وتم إخبار المغترب أنه محتجز لوجود عبارة "صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز" في بيانات كفيل المغترب، وهو ما يجعله مشتبه به لدى أفراد نقطة المليشيات.
وأوضح (م . ف) بأن كل محاولات إقناعه للمدعو "أبو هاشم" بأنه مجرد عامل بسيط بعيد عن السياسة قد باءت بالفشل، حيث ظلت النقطة الأمنية تحتجزه لمدة 48ساعة، قبل أن يتم الإفراج عنه مقابل دفع مبلغ 3000ريال سعودي لمشرف النقطة.
- حصر بيانات المغتربين:
في مطلع العام 2021، نفذت مليشيا الحوثي واحدة من أوسع حملاتها الميدانية في محافظة إب، وسط البلاد، بهدف جمع معلومات وبيانات المغتربين وأسرهم، باعتبار "إب" مسقط رأس غالبية المغتربين اليمنيين، وخصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب تقرير سابق لموقع "يمن شباب نت"، فإن اللجان الحوثية التي نفذت الحملة طلبت من المواطنين تسجيل بياناتهم شاملة عنهم من قبيل: أسماء المغتربين الرباعية، وصورهم الشخصية وصور جوازاتهم.
بالإضافة إلى بيانات حساباتهم المالية، والدول التي يستقرون فيها وأرقام هواتفهم، وأسماء أفراد أسرهم ومدة وأسباب اغترابهم، ومتوسط التحويلات الشهرية لأسرهم.
فيما أكد حقوقيون بأن مليشيا الحوثي قامت باستخدام بيانات ومعلومات المغتربين لأهداف أمنية وأخرى مالية، حيث عملت على استغلال هذه البيانات بما يسهل لها عملية ابتزاز المغتربين اليمنيين في الخارج وضمان عدم معارضتهم.
- إغلاق الطرقات:
تستمر المليشيا الحوثية في إغلاق الطرق الرئيسية، وأهمها طريق "فرضة نهم - مأرب"، الذي ترفض المليشيات فتحه رغم إعلان نائب مجلس القيادة "سلطان العرادة" فتحه من جانب الشرعية، في سبيل تخفيف معاناة المغتربين أثناء سفرهم.
وفي ظل تعنت المليشيا فتح هذا الطريق، يلجأ المسافرون إلى طرق صحراوية بديلة مثل طريق الرويك وطرق أخرى في الصحراء، والتي أصبحت خلال السنوات الأخيرة ميدانًا نشطًا لعصابات التقطع.
حيث يتعرض المغتربون، أثناء سفرهم، لعمليات نهب وتقطع من قبل عصابات مسلحة وبشكل يومي على الطريق الصحراوي بين محافظات الجوف ومأرب وحضرموت، وهو ما يجبر أصحاب السيارات على حمل أسلحتهم الشخصية أثناء العبور من هذه الطرق.
ويتعرض المغتربون لمآسٍ كبيرة أثناء سفرهم عبر هذه الطرقات، كان آخرها ما حدث مع ثلاثة من المغتربين قرروا مطلع الأسبوع الماضي السفر إلى اليمن لقضاء إجازتهم، عبر منفذ الوديعة إلى محافظة إب وسط البلاد، غير أنهم لم يتمكنوا من العودة سالمين.
حيث تعرضوا لعملية تقطع ونهب من قبل عصابة مسلحة في منطقة الرويك، وتحت تهديد السلاح تم نهب كل ما بحوزتهم، غير أن تبعات ما تعرضوا له قادت لحادث مروع أصيبوا على إثره وتم نقلهم لأحد مشافي صنعاء لتلقي العلاج. بحسب "المصدر أونلاين".
- انتهاكات غير مرئية:
رغم طول قائمة الانتهاكات الحوثية بحق المغتربين اليمنيين، وتعدد واختلاف أشكالها وميادينها، إلا أنها ظلت مغيَّبة بشكل كبير عن وسائل الإعلام وأعين المنظمات الدولية والحقوقية.
في هذا السياق، قال الناشط الحقوقي "رضوان فيصل" أن المليشيا الحوثية نجحت إلى حدٍّ كبير في تغييب ملف المغتربين، وما يتعرضون له من ابتزاز وترهيب واضحَين، عن رقابة منظمات المجتمع الدولي وكاميرات الإعلام.
وأشار "فيصل" في تصريح لـ"الصحوة نت" إلى أن خوف أسر وأهالي المغتربين من العقاب الحوثي، سواء خوفهم على المغترب أو أحد أفراد أسرته، قد ساهم أيضًا بشكل أساسي في تغييب انتهاكات الحوثي بحق المغتربين.
وأكد بأن مليشيا الحوثي تراقب نشاطات المغتربين اليمنيين وكتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة حقوقية، وتبتزهم بأملاكهم وأقاربهم داخل البلاد، وهو ما يدفع أغلبهم إلى الصمت حتى لا تُنهب أملاكهم ولا يتضرر أفراد أسرهم، وحتى لا يتعرض المغترب لعراقيل أثناء عودته للوطن.
وبحسب "فيصل" فإن هذه العوامل مثلت ورقة ضغط تستخدمها المليشيا الحوثية لإرهاب المغتربين وإبتزازهم، وبالتالي تغييب الانتهاكات التي يتعرضون لها وضمان عدم وصولها للإعلام والمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.