منذ أيام تلقت كثير من الأسر الفقيرة والمعدمة صفعة قاسية ومؤلمة من عدد من المنظمات العاملة في بلادنا ضمن برنامج الأغذية العالمي. فقد تلقت هذه الأسر إشعارا يفيد بخروج هذه الأسر من برنامج المعونات الغذائية الشهرية التي ظلت على مدى يزيد عن سبعة أعوام تقدم لهذه الأسر كبديل مساند عن الدولة الغائبة حتى ظنت هذه الأسر أنها أصبحت من رعايا العمل الإغاثي لا من رعايا الدولة.
ولقد أحدثت خطوة التخلي هذه صدمة كبيرة لهذه الأسر التي تعيش الحياة عوزا وفقرا وانتظارا شهريا لسلة غذائية. تشمل بعض القمح أو الرز والزيت والقليل من السكر والبقوليات.
وفي رسالة له إلى هذه الأسر المنكوبة حدد برنامج الأغذية العالمي سببين اثنين لهذا الإجراء. يتلخص أولهما في محدودية الموارد وشحتها. بينما يتمثل السبب الثاني في أن هذه الأسر المغضوب عليها لم تعد تستوفي المعايير المؤهلة للحصول على المعونات والمساعدات الغذائية.
ونحن هنا نعي قضية محدودية الموارد وشحتها. فقد طالت الجائحة وامتدت دون بصيص أمل يلوح في الأفق مما جعل الرعاة الدوليين ينسحبون رويدا رويدا من المشهد. وليس ثمة شك في أنهم سيصلون يوما ما إلى حالة الانسحاب الكامل. وهو الأمر الذي يجب على الحكومة أن تتنبه له. وأن تسعى في إيجاد المعالجات المناسبة إن كانت ما تزال قادرة على فعل شيء.
أما قول البرنامج بأن الأسر التي أقصاها من معوناته لم تعد مستوفية للمعايير المؤهلة للحصول على هذه المعونات؛ فإنه قول يثير الضحك والغرابة في آن. ومن يسمع به يعتقد أن هذه الأسر قد انخرطت في أعمال ربحية وتجارية. أخرجتها عن دائرة العوز والحاجة ووضعتها في مصاف الأسر الآمنة غذائيا.
إن مثل هذا القول ينطوي دون ريب على كثير من المغالطات. ذلك أن أحوال هذه الأسر أصبحت أكثر سوء منها يوم أن بدأ البرنامج نشاطه قبل عدة أعوام. ثم ماهي المعايير التي بموجبها تم هذا الإيقاف الكارثي؟
إن الواقع يكذب أي ادعاء بوجود معايير موضوعية. لسببين اثنين: خروج أسر من هذا البرنامج وهي الأشد تعاسة وبؤسا وبقاء أسر وهي في وضع اقتصادي أفضل، كما أن الأسر التي تربطها صلة قرابة بالعاملين الميدانيين في هذه المنظمات لم يمسسها سوء والأمثلة في ذلك كثيرة وواضحة للعيان. وكأن المسألة إذن خضعت لأمزجة هؤلاء العاملين لا أكثر. فهل بقي بعد ذلك مجال للحديث عن معايير؟؟!!
إن الشواهد الواضحة على الانتقائية التي يمارسها العاملون المكلفون بتوزيع هذه المعونات والذين لديهم القدرة على التأثير في قرارات هذه المنظمات كثيرة وجلية. ولم تعد تخفى على أحد. وأصبح التباهي بقرابة عامل إغاثي مثل التباهي بقرابة مسئول كبير في الدولة أيام أن كان هناك دولة.
ويوم أن تعلن هذه المنظمات توقف انشطتها توقفا كليا سيكون هناك جموع غفيرة تتسربل الفاقة والجوع. وقلة قليلة يمتلكون الأرصدة الساخنة والسيارات الفاخرة وكل مظاهر البذخ والترف والنعيم وكل ذلك ثمنا لضمائر بيعت في سوق الأطماع ودكاكين الأنانية.