زارتني الحمى كما زارت الكثير هذه الايام ، تتكرر زيارة (الحمى) بصفتها احدى معالم الحياة وتقلباتها و تذكرنا بالعافية ونعمتها ، كما تذكرنا بحقيقة القوة والضعف وحقيقة الحياة ذاتها، فهي عنوان ضمني لحقيقة الزوال وتمثل احدى رسل السفر الكبير ورحلة العودة (الموت) على الخط السريع يستوي فيه المتقدم والمتاخر مادام ان المسألة مسألة وقت فلافرق !!
على كل هذا فصل ( الحميات) زمان كانت الأمهات عندما تهجم ( الحمى) على القرية في موجة مرض، يقلن هذه( جازعة) ويذهبن في مكافحتها ب (الحلقة) و(الحلص) واللبن وماتيسر من الاعشاب وتمر الايام وتمضي الحياة
ولكل مرحلة طبها
لكن كانت كلمة (جازعة) كلمة من بيت الحكمة تعمل عمل السحر في تعافي الأطفال والمرضى وتجاوز الهلع الذي يحيل الأمر الى جائحة لاتبقي ولاتذر ، ما إن يسمعها الطفل والمريض حتى تسري حالة من التعافي،
يعني (جازعة) وتمر لم يقلن عدوى أو مرض مميت أنها روح تعتمد التفاؤل وبث روح الطمأنينة كعلاج نفسي عبقري تتحصن ضد الخوف والهلع
قلت لطفل مريض في العاشرة وهو يتلقى حقنة مغذي.
أنت مريض؟ أجاب مباشرة و بثقة :
لا (جازعة )؟ !
يؤكد الاطباء في العالم أن النسبة الأكبر من ضحايا جائحة (كورونا ) كانت بسبب حملة الخوف والهلع المرعبة.
التحرر من الخوف قوة للانسان وهي مهمة الفرد والمجتمع لتجاوز الضعف والخنوع ومواجهة الصعاب والأمراض والملمات على كل الجهات وفي كل الحالات فكثير من الناس يذهبون ضحية الخوف.
وحده المؤمن يتجاوز الخوف ويتعامل معه بقوة وحكمة بادراكه لحقيقة الحياة وحقيقة الموت والعلاقة مع الخالق حيث كل شيء عبارة عن (جازعة)، الحلو جازع والمر جازع الفرح جازع والحزن جازع والنصر جازع والهزيمة جازعة كل الاشياء والاشخاص والأوجاع واللذات (جازعة) تنتهي بنقطة تتلاشى كسراب.
يعيش الانسان المؤمن مطمئناً غير جازع من (الجوازع ) كلها يعمل ماعليه يعيش حياته وهو يعلم أن الحياة كلها هي ( جازعة) تمر مثل سحابة الصيف فما عليه الا أن يعمل ما عليه يتعلم يعمل يبتكر يجتهد ، يطلق العقل يبني ،يصنع المعروف، ينصر الخير ،يقاوم الشر ، يأخذ بالأسباب ثم يعيشها مطمئنا راضيا.
في النهاية كل الاشياء (جازعة ) والبقاء مع الحي الدائم الأول والاخر الظاهر الباطن الرحيم الرحمن
وكل من فوق التراب تراب .
وما أجمل أن تعيش في مواجهة كل الأشياء بتناقضاتها راضياً مبتهلا مع الحبيب المصطفى
(أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك، أو ينزل بي سخطك. لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الابك).