أُعلن يوم الثلاثاء، عن التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية والذي يضم 22 حزباً ومكوناً سياسياً، والذي يتزامن مع انسداد أفق الحل السياسي وتفاقم معاناة المواطنين مع دخول الحرب عامها العاشر وما رافق عمل الحكومة الشرعية والقوى السياسية الداعمة لها من أخطاء وعثرات وتعدد في الرؤى والمصالح.
يأتي تشكيل التكتل الوطني في مرحلة استثنائية في تاريخ بلادنا، مع تصاعد سطوة الكيانات السلالية المناطقية والشمولية، التي تريد إبقاء البلاد رهينة لأجندات التأثير الأجنبي في صراعات تؤثر على المدى القريب والمتوسط على الأمن القومي لشبه الجزيرة العربية، والانتقامات الدولية العابرة للحدود.
وطوال 10 سنوات توارت الكيانات السياسية إلى الظل، وهي التي طالما كانت فاعلاً رئيسياً في السياسات وانتقالات السلطة منذ قيام الوحدة؛ وبرزت معها المناطقية والجهوية التي فتحت الطريق لاستمرار تسيد سلالة والكيانات ما دون الوطنية، التي دفعت الهوية الجامعة لكل اليمنيين إلى ما وراء اعتبارات حاضر ومستقبل البلاد. فما الذي يمكن أن يفعله التكتل الوطني؟!
منطلق كل الجهود
اليمن ليست غريبة عن التكتلات السياسية القادرة على احداث تأثير سياسي في ظروف البلاد حالكة السواد- كان آخرها "تحالف أحزاب اللقاء المشترك"- وهي تحالف متوافق عليها مبنيّة على أسس الحفاظ على الهوية الجامعة ملتزمة بالدستور والمرجعيات المتفق عليها والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة والعدالة والمواطنة والشراكة والشفافية؛ وعلى الرغم من كونها أسس عادلة للمكونات السياسية إلا أنها تتعارض وأهداف الجماعات المسلحة ذات المنشأ السلالي، والكيانات ما دون وطنية؛ لأنها تعلم أن ذلك يعني سيادة الدولة والاستقرار والأمن وعودة العمل السياسي الذي يتعارض مع الهيمنة.
إن وجود تكتل سياسي يعيد مؤشر بوصلة الحرب والسلم في اليمن إلى الهدف الأساسي رغم كل المؤثرات التي بنتها سنوات الحرب العشر الماضية: استعادة مؤسسات الدولة بإنهاء الانقلاب، وجعل الحكم والسلطة قرار الشعب عبر آليات الديمقراطية التي عرفها اليمنيون وهي صناديق الاقتراع دون تأثير أوهام الحق الإلهي، ولا غلبة القبيلة والمنطقة. إن استعادة ذلك هو تجفيف الصراعات والحروب الصغيرة الناشئة، إعادة حق الشعب في اختيار من يدير شؤون حياته ويمثله.
لتحقيق هذه الغاية الرئيسية، يَعد التكتل ببرنامج سياسي يحقق 11 هدفاً، يبدأ هدفها الأول باستعادة الدولة وتوحيد القوى الوطنية لمواجهة التمرد وإنهاء الانقلاب. والثاني، حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً. وهما هدفان رئيسياً لاستعادة مؤسسات الدولة كما أنهما مترابطان فبدون إنهاء الانقلاب فإن حل القضايا الوطنية هي جهود غير ذات مغزى ولن تجد طريقها.
التداعيات والمتغيّرات
الهدفان الثالث والرابع: الحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية، بما يلبي تطلعات أبناء جميع المحافظات؛ والحفاظ على سيادة الجمهورية واستقلال وسلامة أراضي اليمن. وهو هدف يلتزم بمخرجات الحوار الوطني التي توافق عليها اليمنيين، ويعالج تداعيات الحرب نتيجة تصاعد سطوة الجماعات ما دون الوطنية، وحماية البلاد من فوضى التمزق بالحفاظ على آمالهم بالاستقرار وهوية الجماعية التي يتشاركونها.
كما أن التكتل ينظر إلى المتغيّرات الدولية التي تحاول جرّ اليمن إلى العمل كأداة وأرض تصفية وأجندات الخارج، بالإشارة إلى حماية سيادة واستقلال القرار اليمني كدولة بإبعاده عن التجاذبات الدولية، والأجندات السيئة التي تضر الأمة ومستقبلها والتي تستخدم الانقسامات وضعف سلطات الدولة وتناقض قرارتها بتعدد الفاعلين المحليين في صناعته كوسيلة لتمرير أجنداتهم واستغلالها. لذلك يؤكد التكتل على توافق الكيانات السياسية على "رؤية مشتركة لعملية السلام" و"دعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على كافة التراب الوطني". وهي أهداف تعزز هيبة الدولة وسيطرتها الجغرافيا دراً لاستخدامها كمنصة تهديد الأمن القومي الخليجي والعربي بهدف تقويض سياساتها الداخلية والخارجية.
ولتحقيق ذلك يؤكد التكتل السياسي أن هدفه "عودة جميع مؤسسات الدولة للعمل من العاصمة المؤقتة عدن"، "مساندة الحكومة في برنامجها الاقتصادي لتقديم الخدمات ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين"، و"رفض فرض المشاريع والرؤى السياسية بالعنف" وهي أهداف جماعية لكل اليمنيين والمحافظات للتحرر من حالة الترهيب والتخويف بالغلبة المسلحة على الحياة المدنية التي عرفها اليمنيون قبل الحرب، وتقويض عمل الحكومة وبرامجها لتحسين حياة الناس مع الانهيار المتسارع للعملة الوطنية ودخول مئات الآلاف من اليمنيين تحت خط الفقر إلى جانب ملايين آخرين سبقوهم.
إن الإعلان عن التكتل الوطني هو بداية لاستئناف الحياة السياسية في عموم المحافظات المحررة. ولم يتأخر التكتل الوطني في اجتماعه الأول الذي رأسه رئيس التكتل أحمد بن دغر في مناقشة هيئاته وإنشاء فروعه في المحافظات. إن استعادة العمل المدني والآلية الديمقراطية لتحقيق الغاية بتحرير المحافظات المتبقية من الحوثيين أو الوصول إلى اتفاق سلام عادل يحمي الدولة اليمنية.
الأمن القومي الوطني والعربي
بتأكيد هدفه في تعزيز سلطة الدولة لبسط نفوذها، يشير التكتل السياسي الجديد إلى هدفه في تعزيز حماية الأمن القومي للدولة بمحاربة الفساد والغلو والإرهاب ورفض التمييز بكافة أشكاله، وهي منطلقات عادة ما استخدمت لتقويض نفوذ سلطة الدولة وتهديد الجوار ومحيطها العربي. الذي يهدف التكتل إلى تعزيز العلاقة معه ومع المجتمع اليمني.
إن التكتل السياسي ينطلق من أبعاد وطنية خالصة وليست حالة طارئة كما يزعم معارضوه، أو أن تشكيله جاء لاستهداف مكون محدد يفترض به دعم هدف استعادة الدولة وبناء المؤسسات. حيث وصلت إليه الأحزاب والكيانات السياسية اليمنية إليه بعد مشاورات داخلية طويلة يسبق ما أفرزته الحرب من تداعيات ومكونات جديدة، يمتد من صيغ الشراكة والتوافق وجهود الاصطفاف الوطني التي بدأت في 2014، وفي مؤتمر الرياض (2015) الذي انبثق عنه "الهيئة الاستشارية الوطنية"، وفي 2019 بإعلان تشكيل التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية، واتفاق الرياض لتشكيل حكومة الشراكة السياسية 2020، وحتى المشاورات اليمنية-اليمنية التي عُقدت في ابريل/نيسان 2022 وتمخض عنها إعلان نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي.
إن بناء تحالف جديد من الأحزاب والمكونات السياسية، هو جزء من نهج سياسي متعدد الأوجه، يعالج الاختلالات التي أحدثتها الحرب ويوجه الطريق في اليمن إلى الأمام نحو استقرار وحل لمشكلاته العالقة.