إنها قصة حكاية صارت مثلا فيما ترويه الذاكرة الشعبية؛ ذلك أن رجلا اسمه سعيد بن مشفر، كان يعيش في مجتمع صغير، و كان هذا الرجل يتسم بالقوة و البطولة،و المواقف الرجولية، و في خدمة الجميع ؛ إلا إنه كان متواضع الوسامة، بسيط الأناقة، و كان في ذلك المجتمع الصغير نفسه رجل آخر قسيما وسيما متأنقا.
فإذا ما كانت هناك شدة، و قضايا تحتاج إلى مواقف، و حزم أو حضور عملي، يتداعى ذلك المجتمع بلسان الحال و المقال:
أين جا سعيد بن مشفر؛ لعلمهم، و ثقتهم أن هذا الأمر لا يقوم له، و لا يمكن أن يواجهه، أو يقود المجتمع له سواه، فيتنادى الجميع بحثا عن سعيد بن مشفر !
أما إذ كانت هناك مناسبات اجتماعية، أو استعرضية سهلة، أو مغانم و مواقف تكريم فيدعون ذلك الوسيم القسيم صاحب الأناقة و الدلال و الجمال.
و هنا.. كان سعيد بن مشفر يندد بهذا الظلم، و التعامل غير السوي، و تلك المواقف الرخـوة، و التفكير المنحرف، و عدم اعطـاء كل ذي حق حقه من التكـــــريم و الاحــــترام، فيذهب ببساطته المعهودة، و فطرته التي عُرف بها يُعاتب مجتمعه ، قائلا : يوم الحروب و التلاقي أين جا سعيد بن مشفر؟ و يوم اللحوم و التّدِسّام سعيدهم ليس يذكر ..!!
فذهب ما قاله سعيد بن مشفر في هذه الحكاية الشعبية يجري مجرى المثل؛ ليبين كيف يضيع الصواب، و تغيب المعايير الحقيقية في معرفة أقدار الناس، حين تتغير الموازين و التصورات، و تنحرف بها الأهواء و المجاملات، فيحرم من يستحق التكريم و الإشادة، و يكرم و يقدم من ليس أهلا للتكريم، و الإشادة و الثناء.
غير أن هذا الاختلال، و تناسي أصحاب المواقف، لا يدوم، فسرعان ما يعود المتناسون عند الشدة يخطبون ودّ (سعيد بن مشفر)!
على ان لهذه الحكاية الشعبية الطريفة، التي تبين أنه قد يتصدى فرد أو مجموع أو فريق للمكاره، و الملمات، ثم لا يكافأ على مواقفه، بل قد يلام، و يشيطن، و يتم التحريض ضده، فيما فريق آخر يتمتع بالنعم، و يتحاشى المكاره، و يتجنب مواطن البذل و الجهد، فيحصد التكريم و المديح ..!!
لهذه الحكاية الشعبية ما يطابقها في حكاية قديمة في الأدب العربي، حيث كان هناك أخوان، و كانت إذا نزلت شدة أو حلت معركة دفع الأب بأحدهما، و إذا كانت المكرمات، و المسرات فيدفع بالولد الآخر، حينها قال من يدفع به أبوه للشدائد :
و إذا تكـون كـريهــــــة أُدعى لهـا
و إذا يُحاس الحيس يدعى جُندبُ
إنها الحيــــاة حين تتغير المعايير، و تختل الموازين !