بمنزل الأسير الجندي "محمد سليمان" حيث كل زاوية في المنزل تحمل ذكريات مؤلمة، وكل قطعة أثاث تروي قصة عن الأيام الجميلة التي عاشها الشاب مع عائلته، قبل أن يتم تصفيته في سجون ميلشيات الحوثي.
امسكت الأم صورة ابنها الثلاثيني بين يديها، وعيناها تملؤهما الدموع والقهر، وكل من دخل منزلهم ورأى أسرته وأطفاله لم يستطع إخفاء الألم الذي يعتصر قلبه، ويحاول أصدقاء الشهيد تقديم الدعم والمواساة للعائلة لكنهم يشعرون بالعجز أمام هذا الفقدان الكبير.
وفي 9 نوفمبر الجاري 2024 تلقت أسرة "سليمان" اتصالا من ميلشيات الحوثي وتم إبلاغهم بوفاته في السجن، وكشفت مصادر حقوقية أن الشاب تعرض للتعذيب الممنهج الذي أدى إلى وفاته.
الشاب محمد سليمان
وقتل "سليمان" (36 عاماً) الذي ينحدر من محافظة ذمار وأب لأربعة أطفال، نتيجة تعرضه للتعذيب الشديد من قبل الحوثيين بالسجن المركزي في صنعاء، بعد أكثر من أربع سنوات على أسره في جبهة صرواح في مأرب.
يقول "محمود" صديق مقرب من عائلة سليمان لـ "الصحوة نت"، "الجميع يأتون لزيارة عائلته ويقدمون كلمات التعزية والدعم، لكن الحزن يبقى حاضرًا في كل لحظة، حيث طغى الحزن المنزل الذي كان مليئًا بالحياة".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "لقد كان محمداً محبوباً ولديه الطموح، ويتمتع بشخصية مفعمة بالحيوية، وكان خبر تصفيته في سجون الحوثيين فاجعة لنا جميعاً" لافتا أن "فقدان شاب في مقتبل العمر تجربة قاسية ومؤلمة".
تصفية تحت التعذيب والإهمال
وروى المحامي خالد الكهلاني، تفاصيل التعذيب التي تعرض له الأسير في آخر أيامه. وقال: "قامت سلطات السجن (الحوثيين) في معسكر الأمن المركزي بصنعاء بتصفية الجندي الأسير محمد سليمان من خلال التجويع والإهمال والاعتداء عليه بالضرب المبرح في شتى أنحاء جسده".
وأضاف المحامي و الناشط في مجال حقوق الإنسان، في حديث لـ"الصحوة نت"، بأن "سليمان أبلغه في إحدى الزيارات بأن سلطات السجن (الحوثيين) حاولت تصفيته أو إصابته بعاهة مستديمة".
وأوضح الكهلاني "كان سليمان معتقلاّ انفرادياّ أبلغه بتعرضه للضرب المبرح فور وصوله إلى السجن من قبل عدد كبير من المسلحين الحوثيين واصفا حالته الصحية حسب آخر مرة راه بأنها كانت "في غاية الخطورة".
وتابع: "كان يتكلم بصعوبة وكان زميله في السجن يساعده على المشي، بالإضافة الى الإعياء والتعب والنحول الواضح في حجم جسمه، ولدي أدلة على الانتهاكات التي ارتكبت ضد الشاب سليمان".
وقال المحامي الكهلاني "رفضت لجنة الاسرى التابعة للحوثيين لتقرير الأدلة الذي قدمته على الانتهاكات الجسدية والنفسية التي ارتكبت في حق "سليمان" ومنها الضرب المبرح والتقييد في أوضاع مؤلمة، وتركه معصوب العينين لفترات طويلة، والإهمال الطبي".
عملية قتل ممنهجة
وأعتبر ناشطون حقوقيون أن الميلشيات تعمدت قتل الشاب "سليمان" بشكل ممنهج، وكان يعاني قبل وفاته من إصابات في الرأس والصدر والعين اليمنى وأسفل البطن وبعض الرضوض في الساقين والفخذين.
اتهم الصحفي اليمني هشام طرموم، جماعة الحوثي بتصفية الجندي الأسير محمد سليمان عمدا. قال في تغريده له " قيام جماعة الحوثي بتصفية محمد عبد الله حسن سليمان (36 عامًا) في سجونها يؤكد أن هذه السجون وكر للجريمة ووسيلة عقاب وانتقام يديرها طائفيون مجرمون".
من جانبه قال الناشط الحقوقي فهد اللبود "غادر الجندي الأسير محمد محمد عبد الله حسن سليمان هذه الحياة، بعد سنواتٍ من العذاب الذي تجاوز حدود الإنسانية في إحدى سجون ميليشيا الحوثي الإرهابية بالعاصمة المحتلة صنعاء".
وأضاف في منشور بمنصة إكس "لم يكن محمد وحده في هذا الجحيم، بل كانت روحه تعيش في ظل القسوة التي تزرعها جماعة اعتادت قتل الأسرى وتدمير نفوسهم، تاركةً خلفها عائلات مفجوعة، أطفالًا فقدوا سندهم، وزوجات يملؤهن الحزن".
اوكار للجريمة
وادانت منظمة "مساواة للحقوق والحريات" ما وصفتها بـ"جريمة تصفية الجندي في الجيش اليمني محمد سليمان"، وقالت: "بأن الأسير فارق الحياة نتيجة تعرضه للتعذيب في سجن الأمن المركزي بصنعاء، بعد 4 أعوام من وقوعه في الأسر خلال المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين على جبهة صرواح بمحافظة مأرب".
وبحسب بيان المنظمة، فإن سليمان تعرض لـ"أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي"، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية وفقدانه الوعي بشكل متكرر، تاركاً خلفه أسرة مكونة من زوجة و4 أطفال.
رصدت المنظمة أكثر من 350 جريمة قتل تحت التعذيب، ونحو 1632 معتقل تعرضوا للتعذيب، وتم توثيق تصفية 32 مختطفاً تم تصفيتهم في سجون ميلشيات الحوثي، فيما انتحر آخرون للتخلص من قسوة وبشاعة التعذيب، كما سجلت 79 حالة وفاة للمختطفين بسبب الإهمال الطبي.
وطلبت المنظمة من المجتمع الدولي التحرك العاجل لحماية الأسرى والمعتقلين في سجون الحوثيين، "خصوصاً مع ازدياد أعداد الوفيات في صفوف المعتقلين، إما بسبب التعذيب، وإما لسوء الأوضاع المعيشية والصحية في الزنازين".