وثَّق تقرير حديث، انتهاكات وقصص مروعة تتعرض لها النساء اليمنيات في سجون سرية، على أيدي مجموعة يطلق عليها “زينبيات”، وهي فرقة أمنية نسائية أنشأتها مليشيا الحوثي لقمع واضطهاد اليمنيات.
وكشف تقرير لتحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن”، والذي نشرته منصة "دَرَج Daraj" عن تعرض النساء اليمنيات لحملات اعتقالات تعسفية ممنهجة وواسعة النطاق، وجرائم الإخفاء القسري، بالإضافة إلى تعرضهن لأبشع أساليب التعذيب النفسي والجسدي.
واستند التقرير إلى شهادات ناجيات تحدثن لمنظمات حقوقية عضوة في تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن”، والذي يتخصص بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد. وقد وثقت الشهادات قصص مروعة تعيشها اليمنيات في السجون الحوثية السرية.
ووفقًا لهذه الشهادات، فإن نساءً أُجبرن على الوقوف لساعات بلا حركة، أو النوم على أرضيات قاسية بلا فراش أو غطاء، بينما تعلو أصوات الصراخ من الزنازين المجاورة، ويتعرض بعضهن لتحرش جنسي.
- نسخة إيرانية لقمع اليمنيات:
على غرار وحدة الأمن النسائية في إيران، أو ما يطلق عليها "فراجا"، شكلت مليشيا الحوثي فصيلًا أمنيًا خاصًا من عناصرها النسائية المنتمية إلى السلالة الحوثية تحت مسمى "الزينبيات"، ليكون أداة قمع وإرهاب ضد المرأة اليمنية.
وبحسب التقرير، فإن “الزينبيات” تتبع وحدة استخبارات الحوثيين، مهمتها الأساسية تجنيد نساء لتكليفهن بمهام الإيقاع بالمعارضين السياسيين، ما يفسر تغيّر موقف بعض الناشطين والسياسيين الذين اصطفّوا مع الحوثيين.
ويقول مصدر لتحالف الميثاق إن مجموعة “الزينبيات” تعمل بهدوء لاختراق المجتمع وجمع المعلومات، وتنشط في قطاعات حيوية مثل التعليم العالي، لممارسة السيطرة على الطالبات وتقييد حريتهن، وصولًا إلى الاعتقال التعسفي، والتعذيب الجسدي والنفسي.
ووفق خبراء حقوقيين في التحالف، فإن تأسيس هذه الفرقة النسائية "الزينبيات" وتجنيدها هو استنساخ لوحدات مشابهة في إيران، وذلك لتطبيق نهج قمعي ضد النساء، لإسكات أصوات المعارضة، وبث الخوف والتبعية داخل المجتمع اليمني.
- تجسس وترهيب:
واستعرض تقرير تحالف ميثاق العدالة لليمن، شهادات لطالبات يمنيات أكَّدن بأن “الزينبيات” يتدخلن في الحياة الشخصية لهن، ويمنعنهن من التعبير عن آرائهن السياسية أو ارتداء أية رموز وطنية.
تقول طالبة، في شهادة قدمتها للتحالف، إن “الزينبيات يراقبننا ويقيدن حركتنا في المناسبات الوطنية، ويقتدن الطالبات اللواتي يرفعن العلم اليمني إلى مراكز الأمن للتحقيق معهن”.
وتروي طالبة أخرى في شهادتها: “كنا نحتفل بعيد الوحدة، وفجأة جاءت مجموعة من الزينبيات وأخذن إحدى الصديقات لأنها رسمت العلم على وجهها، وضربنها في أمامنا”.
وتوضح إحدى الطالبات، في شهادتها للتحالف، أنها كانت تشعر بالخوف يومياً من “الزينبيات”، اللواتي كن يتفحصن الطالبات حتى في مساكنهن، ويمنعنهن من أي نشاط يتناقض مع سياسات الحوثيين.
- اعتقالات وتعذيب:
وثق التقرير الذي أعده تحالف ميثاق العدالة لليمن عددًا من الشهادات لناجيات من السجون، والتي توثق انتهاكات فظيعة وقصصًا مروعة تعرضن لها نساء يمنيات على أيدي فرقة "الزينبيات" داخل أقبية سجون سرية تابعة لمليشيا الحوثي.
تحدثت إحدى القصص عن قيام الزينبيات باعتقال سونيا صالح في آذار/ مارس 2019، أثناء انتظارها في محطة لتعبئة الوقود في صنعاء، ومن ثم اقتيادها إلى مبنى الأمن القومي، لتبدأ هناك رحلتها المروعة مع الاعتقال.
احتجزت "سونيا صالح" في زنزانة ضيقة تعرف باسم “الضغاطة”، وفي هذه الغرف المظلمة، تعرضت لأساليب مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي على يد “الزينبيات”.
ووفق التقرير، أُجبرت سونيا على الوقوف لساعات طويلة، وأحياناً كُنَّ يربطن معصميها وقدميها بسلاسل من حديد، ما يجعل ظهرها محنياً طوال الوقت، ويترك آثاراً جسدية ونفسية، بالإضافة إلى رش الماء البارد عليها، ثم صعقها بالكهرباء.
وبحسب شهادتها لتحالف الميثاق، فقد كانت "سونيا صالح" تسمع صرخات النساء من الغرف المجاورة، الأمر الذي كان يعمق شعورها بالرعب والخوف. حيث تقول سونيا في شهادتها: “أكثر ما كان يؤلمني هو سماع أصوات النساء وهن يتعرضن للتعذيب، ما جعلني أعيش كوابيس لا تنتهي، حتى بعد الإفراج عني”.
يشير تقرير التحالف إلى أن هذا التعذيب النفسي الذي تعرضت له سونيا هو جزء من استراتيجية الحوثيين لترهيب المعتقلات، وإضعافهن نفسياً، لإجبارهن على الاعتراف بتهم لم يرتكبنها.
ويذكر التقرير بأنه فُرض على سونيا توقيع اعترافات تحت تهديدات بأن التعذيب سيزداد قسوة. ولإضعافها أكثر، انتزعوا أظافرها واحداً تلو الآخر، في محاولات مستمرة لإجبارها على التعاون معهم.
مع مرور الوقت، بدأت عائلة سونيا البحث عنها في كل مكان، وطُلب تدخل شيوخ القبائل، ما اضطر الحوثيين إلى التفاوض، ومن ثم الإفراج عنها مقابل فدية مالية قدرها 15 مليون ريال يمني دفعتها العائلة لمليشيا الحوثي.
- الموت خشية من التعذيب:
وفي حادثة أخرى، اعتقلت الشاعرة "برديس الصايغ" على أيدي "الزينبيات" إثر منشوراتها المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد استخدمت الزينبيات ضدها أقسى أساليب الترهيب، في محاولة لإسكات صوتها إلى الأبد، وفق ما جاء في شهادتها للتحالف.
بعد خطفها، اقتادها الحوثيون إلى مكان مجهول في صنعاء، وهناك وجدت نفسها في زنزانة مظلمة ضيقة، ملأى بالحشرات ومن دون أي منفذ للهواء أو الضوء، وهناك تعرضت للضرب والصعق الكهربائي المتكرر، حتى وصلت إلى مرحلة فقدت فيها القدرة على الوقوف أو المشي.
وفي شهادتها لتحالف الميثاق، فقد كانت برديس تعلم أنها في مكان سري، حيث قالت: “كان كل شيء جاهزاً، التهم والملفات، كل ما كان عليهم هو أن أجلس وأعترف بأي شيء يقولونه”.
بحسب التقرير فإن الحوثيين يدركون أن المجتمع اليمني المحافظ يشكل نقطة ضعف لدى برديس، فبدأوا يهددونها بفضحها اجتماعياً ونشر صور لها تمس سمعتها، في حال لم تعترف بالتهم الملفقة التي فرضوها عليها، مثل “خيانة الوطن والتخابر مع قوات التحالف”، وعندما رفضت الاعتراف، ازداد التعذيب شدة.
تروي برديس في شهادتها: “كانوا يستخدمون الصواعق الكهربائية، حتى أصبحت يداي مشلولتين، كنت أصرخ من شدة الألم، لكنهم لم يتوقفوا أبداً”.
ويذكر التقرير بأنه تم ضرب برديس على رأسها ووجهها، ما أدى إلى فقء عينها اليمنى وكسر أنفها، وعن هذا تقول: “كانوا يظنون أنني أمثّل عليهم، بينما كنت أنزف من رأسي وأنفي وفمي دفعة واحدة”.
وفي محاولة للنجاة من التعذيب، فضلت برديس الموت، حيث بدأت إضرابًا عن الطعام لمدة ثلاثة أيام، لكن التعذيب استمر بلا رحمة، لتقرر المليشيا بعد ثلاثة أشهر من التعذيب الإفراج عنها بشروط صارمة، منها أن تتوقف عن نشر أي محتوى معارض، وألا تتحدث عن تجربتها القاسية.
وبعد تدخلات قبلية وطلبات منظمات حقوقية، أُطلق سراح برديس التي وافقت على شروط لم تلتزم بها إلا ظاهراً، إذ تمكنت بعد فترة من الهروب خارج اليمن، واستقرت في مصر حيث تحاول بدء حياة جديدة بعيدة من الأضواء. وفق ما ذكره التقرير.
- سجون سيئة السمعة:
يشير التقرير إلى أن فرقة "الزينبيات" تتبع أساليب مختلفة للتجنيد في اليمن، وفق ما وثّقه التحالف، إذ يتم استقطاب النساء عبر التهديدات أو تقديم وعود زائفة تتعلق بالمناصب والامتيازات، وفي بعض الأحيان، يتم تهديد النساء باغتيالهن إذا رفضن الانضمام.
ويوضح التقرير بأن بعض الضحايا يقبلن العمل مع الحوثيين خوفاً على حياتهن أو حياة أحبائهن. ومع ذلك، فإن الانضمام إلى هذه المجموعة يكون بداية لمعاناة أخرى، إذ يُطلب من الضحايا التجسس على عائلاتهن وجيرانهن، والتبليغ عن أي نشاط يُعتبر مريباً أو معارضاً للحوثيين.
تُحتجز النساء في زنازين ضيقة ومظلمة، وفق تقرير التحالف، وتخضع المعتقلات في هذه السجون للتعذيب النفسي والجسدي. تقول إحدى الناجيات في شهادة للتحالف: “كانت الزينبيات يُطلقن علينا ألفاظاً نابية ويفتحن الزنازين فجأة ليلاً، فقط لجعلنا نشعر بالذعر”.
وتوثّق تقارير حقوقية أن “الزينبيات” لا يكتفين بعمليات الاعتقال، بل يمارسن أساليب الإذلال النفسي للنساء، مثل إجبارهن على الوقوف لساعات طويلة أو منعهن من الجلوس أثناء التحقيق.
- تحرش جنسي:
أحد الأوجه الأكثر خطورة للانتهاكات التي تتعرض لها النساء على أيدي “الزينبيات” داخل السجون هو الاعتداء الجنسي، إذ تستخدم وسائل التحرش والترهيب لإجبارهن على الاعتراف.
في شهادتها للتحالف، تقول إحدى الناجيات اللواتي تعرضن للتحرش والاعتداء الجنسي: “لم أكن أتوقع أن أواجه مثل هذه الوحشية، أو أن يتجرأوا على فعل ذلك. كنا محاصرات بأيديهن، ولم نستطع فعل أي شيء”، وتضيف: “شعرت بالخوف من الحديث أو الشكوى، لأنني كنت أعلم أنهم سيعاقبونني إن فكرت حتى في التحدث”.
وفق ما وثّقه التحالف من انتهاكات، مليشيا الحوثي، عبر فرقة الزينبيات، تلجأ لاستخدام الاعتداء الجنسي كوسيلة ضغط على النساء، إذ يتم ابتزازهن بصورهن أو التسجيلات لإجبارهن على التعاون مع الحوثيين.
- أرقام صادمة:
رصدت تقارير حقوقية 1181 حالة اعتقال للنساء في سجون الحوثيين، و274 حالة اختفاء قسري، و71 حالة اغتصاب. وذكرت التقارير وجود 4 حالات انتحار لنساء تعرضن لضغوط نفسية شديدة داخل سجون الحوثيين.
وفقاً لتقرير صادر عن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان (HRITC)، تضم صنعاء وحدها أكثر من 200 مكان احتجاز سري يديره الحوثيون، تتنوع بين سجون الأمن القومي وسجون الأمن السياسي ومنازل سرية. ويقدّر عدد المعتقلين والمخفيين قسرياً في سجون الحوثيين بحوالى 1400 معتقل، يتركزون في صنعاء وذمار وعمران والمحويت وحجة.