البكالي.. الشاعر الذي مات حزينا

البكالي.. الشاعر الذي مات حزينا

نجمٌ آخر من نجوم الشعر في اليمن يأفل بصمت وهو في أوج تألقه وعطائه مضيفا إلى قائمة الخسارات رقما جديدا في بلد لا يأبه لبكاء القصيدة ولا لموت الشعراء.

على مدى العقود الثلاثة الأخيرة برزت في اليمن أسماء شعرية باذخة تضيق هذه العجالة عن حصرها. أضافت للمشهد الشعري في اليمن خاصة وفي الوطن العربي عامة أبعادا جديدة في الأشكال والمضامين. وأثبتت أن المشهد الشعري ما يزال خصبا معطاء. وأن القصيدة لا تزال ولادة. وأنه ما أفل نجم من ملوك الشعر في هذا البلد الشاعر إلا وأشرق خلفا عنه نجم آخر لا يقل عنه جمالا وإدهاشا.

ومن هذه الأسماء كان ياسين البكالي صوتا جميلا متجددا متفردا ظل مخلصا لمقام القصيدة حتى النفس الأخير.

امتلك البكالي رحمه الله رؤية شعرية بدت ملامح نضوجها منذ فترة مبكرة. يعززها وعي فني وإبحار مضن في عوالم الكلمة الجميلة قديمها وحديثها. واستحضار كثيف لريمة الشعر جبالا وسهولا ووديانا. إضافة إلى نفسية شاعرة. يقظة الحس. فوارة المشاعر. سريعة التأثر. تلقي أعنتها من أول وهلة لكل ما يدهش ويستفزُّ من الحياة والفن والجمال.

ولد البكالي عام 1980 في قرية بكال من محافظة ريمة. وفيها تفتحت مداركه العلمية والأدبية. ثم احتضنته صنعاء شابا يافعا عرفته قاعات الدرس ومنابر الأدب والملتقيات الأسبوعية التي كانت ظاهرة تعاف قوية في المشهد الأدبي والفكري في اليمن ومنها ملتقى المقالح وملتقى الشرفي وملتقى الإبداع.

أصدر البكالي خلال مسيرته الشعرية عددا من المجموعات الشعرية منها: همسات البزوغ. وأحزان موسمية على الضفة الغربية. ومناسك غربةٍ لم تكتمل بعد. وأشرعةٌ تصلي في حضرة البحر. والنزوح الأبيض إلى حروفٍ لا تعرف الجهاتْ. ورمق ايل للحياة. وقبل ان يطفئ الماء قنديله.

تميز شعره بأبعاد فلسفية عميقة ربما لتعمقه في دراسة الفلسفة. كما تميز بانشطار الأنا بين الذاتي والجمعي. فجاءت نصوصه الأخيرة على وجه الخصوص بكائيات على خرائب الذات. ورثائيات لوطن يحتضر.

وتماهت لديه مأساته الفردية وهو ينوء بثقل عدد من الأمراض والأوجاع التي أرهقت جسده النحيل بمأساة وطن يذبح في ناصية النهار بسكاكين الأقارب والأباعد. فاجتمع في بيانه الشعري أحزان الغربة وأوجاع الضياع وتلقفته أشداق يأس ضار في محيط مظلم يزداد قتامة.

مات البكالي قبل يومين شابا تاركا خلفه شعرا حيا  يثبت أن عمر الشاعر الحقيقي لا بعد سنينه وإنما بما أشعل من شموس خالدة في فضاءات الفن والجمال.

مات حزينا وهو يقول:

أخشى عليَّ مِن الوقوفِ بلا جسدْ

ومن الضجيجِ الفوضويِّ ولا أحَدْ

ومِن التّخبُّطِ في جمارٍ كنتُ مِن

صِغري وحتى الآنَ أحسبُها بلَدْ

أخشى كثيراً منكَ يا وقتي الذي

يمضي ويترُكُني بلا ظهرٍ ويَدْ

فكأنَّ ذاكرتي انكِسارُ مُسافرٍ

لا سبتُ يمنحُهُ العبورَ ولا أحَدْ

وكأنَّ روحي في يدي قلِقٌ على الـ

ـظعُكّازِ يمشي لا استقرَّ ولا قعَدْ

لا يُدركُ الإنسانُ من أشيائهِ

في لحظةِ الإحراجِ إلا ما نفدْ

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى